فؤاد وصابرين
بقلم/ د نجلاء حسين
فى سكوووووون الليل والناس نيام ؛ نادى عليها صوت من أعالى السماء يوقظها ؛ فقالت : من أنت ؛ وماذا تريد ؟
قال : أنا فؤاد ؛ قومى وأسعى بجد وإجتهاد دون تراخى ؛ كما إعتدنا منك .
قالت : لقد أضنانى التفكير وتعبت ؛ هل أنا على الدرب الصحيح ؛ أم أخطأت المسار ؟
قال : لا تترددى ؛ أكملى مسيرتك كما أنت ؛ فأنت على الدرب الصحيح .
قالت : ولكن الطريق وعر ومظلم ؛ فكيف أكمل ؟
قال : بل هو ممهد ومنير ؛ فلا تعطى بالا لمخاوفك .
قالت : تعبت لسعيى وحدى .
قال : من قال أنك وحدك ؛ تطلعى أمامك فهناك من يساعدك للوصول .
قالت : فرفعت رأسها ؛ فرأت جمالا وبشاشة وأناقة لم تعهدها قط فى أى إنسان ؛ فتعجبت وانبهرت وفرغت فاها مما رأت ، فقد رأت شابا شديد الوسامة بهى الطلة ذو ابتسامة صافية جذابة ؛ وظلت فى هذه الحالة لحظات حتى قطع هذا الصمت ؛ صوتا رنانا رخيما رائعا يتسم بالحيوية والنشاط ؛ وقال وهو يبتسم : لما أنت فى هذه الحالة ؟
قالت : من أنت ؟
قال : ألا تعرفيننى ؟
قالت : لا ! ومن أين لى أن أعرفك ؟ وكيف ظهرت أمامى فجأة هكذا ؟
قال وهو على نفس الابتسامة الرقيقة التى لم ترى مثلها قط : لا تعطى بالا لكل هذه التساؤلات ؛ ستعلمين كل شيء فى وقته ؛ هيا معى الأن لأوصلك لمرادك .
قالت : وكيف تعرف وجهتى ؟
قال : وهو على نفس الابتسامة الصافية التى لا تشوبها شائبة وهو ينظر لأعلى فى الأفق ؛ ثم أعاد نظره لها ، وقال : لقد بلغت بها ؛ فهيا ولا تكثرى .
قالت فى خضوع : هيا إذن ، وسارت وهى تتساءل فى نفسها كيف تسير فى هذا الظلام الدامس ؛ فيناديها ( فؤاد ) ويقول :سيرى ولا تخافى ؛ فتبدأ بالسير ، ثم تقول لهذا الشاب الوسيم : سر أمامى لتدلنى ؛ فيقول لها : بل أنت التى فى الأمام وأنا فى ظهرك ؛ ولا تخافى ، فلن تضلى الطريق وسترين .
قالت : فخضعت لما قال ، وسرت ، وكلما تقدمت خطوة أجد هذا الطريق الوعر يمهد أمامى ويضاء بأنوار لم أرى لقوتها وروعة جمالها مثيل من قبل ؛ وأرى بيوتا رائعة تبنى ومن يبنيها هم فى مثل عمر وهيئة وجمال هذا الشاب الذى معى ؛ حتى أكاد أجزم أنهم توائم من بطن واحدة ؛ ما هذا الذى أراه ؛ وما هذا التشابه القوى بين هؤلاء البنائين لهذه المنازل وبين هذا الشاب الذى يسير ورائى ؛ سبحان من خلق ؛ واستمر سيرنا حتى وصلنا لربوة عالية ؛ قد بنى عليها بيت خلاب يتخلله نور عجيب أكاد أجزم أن هذا ما يقال عنه النور الربانى ؛ وخارج هذا البيت مجموعة من البنائين بنفس هيئة الشاب الذى يسير خلفى ؛ رأيتهم يزخرفون هذا البيت من الخارج ويقيمون له عمودين يشبهين أعمدة القصور الفاخرة ؛ وما نكاد نصل هذا البيت الرائع ، حتى هبط من على هذه الربوة كل من عليها من شباب والتفوا حولى بنفس الابتسامة الرائعة ؛ وهنا ينظر لى الشاب الذى كان يسير خلفى ويقول لى : لقد وصلت لمرادك ، فقلت له : أين أنا ؟
قال : وهو ينظر لمثلائه من الشباب وينظرون لها ويبتسمون ابتسامتهم الصافية الرقيقة ؛ وفى صوت واحد ، يقولون : هنا منزل ( صابرين ) .
قالت : وهى تنظر لهم فى تعجب وانبهار ؛ أحقا وصلت ؟ ؛ أهذا مقر ( صابرين ) ؟
فرد عليها من أعالى السماء من أيقظها ووجهها ، ألا وهو صوت ( فؤاد ) وقال : نعم لقد وصلت لمستقرك ؛ ألم أقل لك أكملى ولا تخافى ؛ وستصلين لوجهتك .
قالت : نعم ؛ صدقت ؛ ولكن من هذا الشاب الذى تبعنى ؛ ومن هؤلاء الذين يشبهونه ؟
فلم تلقى جوابا من ( فؤاد ) ؛ وإنما فى صوت واحد تلقت جوابا إهتز له كيانها ؛ حينما سمعت هؤلاء الشباب فى صوت واحد يقولون : ألم تعلمين حتى الأن من نكون ؟ ؛ نحن (( الولدان المخلدون )) .
ففرغت فاها لما سمعت حتى كادت تفقد وعيها ؛ وتتساءل : أحقا ما سمعت ؛ أحقا وصلت ؛ أحقا أنتم معى ،، فحمدت ربها كما ينبغى لجلال وجهه أن يحمد .
فتذكرت قول العزيز الأجل فى كتابه الكريم ؛ فى سورة الإنسان ::
“” وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20)
وهنا قالت ::: إن صدق الفؤاد فى عمله ؛؛ يوصلك لجزاء الصابرين مهما طال الوقت وتملك منك التعب ؛؛ وتنعمت بالوجوه الحسان من الولدان المخلدين ، جزاء عملك بالفؤاد الصادق النية والصبر على البلاء ، والإحسان ، ومشقة القيام بالأعمال الصالحة ، وتمسكك برضا الكريم وحده …..
فبالفؤاد الصادق …… تصل لجزاء الصابرين ..