آمال طارق
ألقى الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، اليوم الجمعة ٢٣ /٩ /٢٠٢٢م، خطبة الجمعة بمسجد “محمد علي” بالقلعة بمحافظة القاهرة بعنوان: “أهل الاستجابة في القرآن والسنة، بحضور نخبة من علماء الأمة المشاركين في فعاليات المؤتمر الثالث والثلاثين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وعدد من قيادات وزارة الأوقاف.
جاء ذلك في إطار دور وزارة الأوقاف التنويري والتثقيفي، وغرس القيم الإيمانية والوطنية الصحيحة.
وفي خطبته، أكد الدكتور محمد مختار جمعة، أن الأرض الطيبة النقية هي التي تُنبت الخير وما ينفع الناس، وفي هذا يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: “إنَّ مَثَلَ ما آتاني اللهُ مِن الهدى والعِلْمِ كمثَلِ غيثٍ أصاب أرضًا فكانت منها طائفةٌ طيِّبةٌ قبِلت ذلك فأنبتَتِ الكلأَ والعُشبَ الكثيرَ وأمسَكتِ الماءَ فنفَع اللهُ بها النَّاسَ فشرِبوا منها وسَقوا وزرَعوا وأصاب منها طائفةً أخرى إنَّما هي قيعانٌ لا تُمسِكُ ماءً ولا تُنبِتُ كلأً فذلك مَثَلُ مَن فقُه في دينِ اللهِ ونفَعه ما بعَثني اللهُ به فعلِم وعمِل، ومثَلُ مَن لم يرفَعْ بذلك رأسًا ولم يقبَلْ هدى اللهِ الَّذي أُرسِلْتُ به”، فقد شبه نبينا صلى الله عليه وسلم العلماء العاملين الذين نفعهم الله بما بعث به خاتم المرسلين (صلى الله عليه وسلم) بالأرض الطيبة التي تثمر الخير الكثير، فيصدق فيهم قوله (صلى الله عليه وسلم): “إنَّ مَثَلَ ما آتاني اللهُ مِن الهدى والعِلْمِ كمثَلِ غيثٍ أصاب أرضًا فكانت منها طائفةٌ طيِّبةٌ قبِلت ذلك فأنبتَتِ الكلأَ والعُشب الكثير”.
سورة في القرآن أطلق عليها العلماء سورة الاستجابة
وأكد وزير الأوقاف في حديثه عن أهل الاستجابة في القرآن، أن هناك سورة في القرآن أطلق عليها بعض العلماء سورة الاستجابة وهي سورة الأنبياء، ووقف على أربعة مشاهد للاستجابة في هذه السورة الكريمة.
مشهد الاستجابة الأول
فأما مشهد الاستجابة الأول، فيقول سبحانه في شأن نبيه نوح عليه السلام: “وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيم”
وكان هذا الدعاء من سيدنا نوح عليه السلام بعد أن يئس من استجابة قومه، وتحمل ما تحمل من أذاهم ، فتوجه إلى الله سبحانه قائلًا: “فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ” فكانت الإجابة: “فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ”
ولسائل أن يسأل ماذا تفعل سفينة مصنوعة بما أتيح من أدوات هذا الزمان تجاه هذه الأمواج العاتية وتلك المياه المنهمرة من السماء والمتفجرة من الأرض فيأتي الجواب: “وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا”، مادام الله قد قال: “تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا” وكما قال لحبيبنا محمد (صلى الله عليه وسلم): “وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا” فالأمر محسوم لها ولمن فيها بالنجاة مهما كان أمر صنعها.
ثم بعد أن استجاب الله سبحانه، قال في وصف الأحداث التي تتابعت: “وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ”
ثم يقول سبحانه: “وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ”، وما إن سمع أعرابي هذه الآية حتى قال: أشهد أن هذا كلام رب العالمين لا يشبه كلام المخلوقين ، وإلا فمن ذا الذى يأمر السماء أن تقلع عن إنزال الماء فتقلع ؟ ويأمر الأرض أن تبلع ماءها فتبلع ؟ إنه رب العالمين ولا أحد سواه.
مشهد الاستجابة الثاني
ثم تنتقل السورة إلى مشهد الاستجابة الثاني، وفيه يقول الحق سبحانه: “وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ”
وهنا نقول لكل مريض: إنه لا يأس من رحمة الله، وكل عسر إلى يسار وكل شدة إلى فرج، ومهما اشتد بك الداء عليك أن تتعلق بالله سبحانه الذي إذا أراد شيئًا فإنما يقول له كن فيكون، واستمسك بقوله تعالى: “أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ”.
مشهد الاستجابة الثالث
ثم تنتقل السورة إلى مشهد الاستجابة الثالث، وفيه يقول الحق سبحانه: “وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” فبرأ من حوله وقوته إلى حول الله وقوته، فكانت الاستجابة من ربه سبحانه: “فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ”.
مشهد الاستجابة الرابع
ثم تنتقل السورة إلى مشهد الاستجابة الرابع، وفيه يقول الحق سبحانه: “وَزَكَرِيّا إِذْ نَادَىَ رَبّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىَ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ”
وفي قياس المنطق البشري إذا كان أحد الزوجين لا ينجب كان السياق البشري يقتضي أن يقال على قياس العقل البشري: فاستجبنا له وأصلحنا له زوجه ووهبنا له يحيى، لكن السياق القرآني قدم فقال: “فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىَ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ”، وكأنه سبحانه يقول نحن قادرون على أن نعطيك بأسباب وبغير أسباب أصلحنا الزوج أم نصلحها
حيث يقول سبحانه: “إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ”، فمنحهما الله سبحانه الولد: “فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ”
وهذا سيدنا إبراهيم (عليه السلام) قد رزقه الله الولد على كبر سنه: “وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ” ويحكى القرآن عنها: “قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ”، وهذا عطاء الله يعطيه من يشاء سبحانه.
كما أكد أن هذه استجابة الله لعباده المرسلين والصالحين، غير أن هذه الاستجابة مقرونة باستجابة العبد لربه فالجزاء من جنس العمل، أجب تُجب، استجب يُستجب لك، فمن استجاب لله سبحانه بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ استجاب الله دعاءه
والاستجابة لله تعالى ولرسوله (صلى الله عليه وسلم) حياة القلوب ومفتاح إجابة الدعاء، حيث يقول الحق سبحانه: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ”، نسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا من أهل الإجابة.