سميرة المسالمة تكتب : «اللاورقة» هل تؤسس للجمهورية السورية الثالثة؟
أمضت معظم كيانات المعارضة السورية جلّ وقتها، خلال سبع سنوات منذ اندلاع الثورة في سورية، وهي تطالب الولايات المتحدة الأميركية بالتدخل، بطريقة أو بأخرى، بوسائل الضغط السياسي او الضغط العسكري، لإسقاط نظام الأسد، أو لوضع حد لأعمال القصف الوحشية، التي واجه النظام بها ثورة السوريين، وحتى أنها لم تتوان عن الاحتفاء بأي تصريح، ولو كان تلميحاً، يخدم فكرة التدخّل المرجو. إلا أن نداءات تلك المعارضة، التي تستهدف انتزاع السلطة من الأسد ونظامه بالوسائل العسكرية، لم تكن يوماً على جدول أعمال أي من الأطراف الدولية، ما أسهم عن قصد أو غير قصد، باستمرار الصراع السوري، وذلك عبر دعمها التسليحي للطرفين (النظام والمعارضة)، وفق صيغة «لا غالب ولا مغلوب»، من خلال مشهدية تقسيم الأدوار وتناغمها، بين فريق داعم للنظام (روسيا وإيران)، وفريق صديق للمعارضة (الولايات المتحدة ومجموعة الدول الأوربية)، إضافة إلى تركيا الدولة الإقليمية، التي تلقت النتائج المباشرة للصراع بحكم موقعها الجغرافي المحاذي للحدود السورية، عبر موجات النزوح التي فاق تعدادها الثلاثة ملايين سوري.
إلا أننا يمكن أن ننظر إلى الاجتماع المغلق الذي عقد في باريس (24/1)، وحضره وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والسعودية والأردن، وما نتج عنه من توافقات بخصوص الصراع السوري، على أنه خطوة جادة باتجاه التدخل الإيجابي لتنفيذ القرارات الأممية بطريقة القفز فوق المصطلحات الخلافية، بين المعارضة والنظام، ومنها على سبيل المثال (هيئة الحكم الانتقالي، الغاء النظام الرئاسي، والفيدرالية)، والتعاطي مع مضمون القرارات بما يحقق تنفيذها عبر دستور جديد، بعيداً من التراشق بالمصطلحات، التي أدت، خلال السنوات الماضية، إلى مزيد من الخلافات بين طرفي الصراع من جهة، وبين أطراف المعارضة مع بعضها بعضاً من جهة أخرى، ولأسباب في معظمها مبنية على مرجعيات المعارضات غير السورية.
على ذلك، فقد بدا، مؤخراً، أننا في مواجهة مفارقة غريبة، مع ظهور أصوات في المعارضة تنتقد أولى البوادر الجادة للتدخّل في الصراع السوري، بعيداً عن دعم فصيل عسكري هنا، أو فصيل مسلح هناك، وذلك بمسارعتها إلى كيل الاتهامات، أو طرح الشكوك، حول «اللاورقة»، التي نجمت عن الاجتماع المذكور، والتي يمكن البناء عليها، وبمثابة «خريطة طريق» لوضع حد للصراع السوري، بعد مشاورات تمت في واشنطن وباريس (بمبادرة أميركية -فرنسية)، باعتبار من رفضها يراها تجاوزاً للقرار 2254، وبيان جنيف1 (2012)، وأنها تحمل في طياتها مشروع تقسيم لسورية،على رغم أن التقديم لها من قبل الدول المعنيّة كان يستهدفإنهاء حال المماطلة في العملية التفاوضية، للتقدم بشكل أفضل وأكثر جدية نحو حلّ سياسي للنزاع، ووضع ثقلها وراء جهود ممثل الأمم المتحدة في سوريا. وفي الحقيقة فإن هذا الإضطراب في مواقف بعضالمعارضة يضعها من جديد أمام مواجهة ديبلوماسية مع أصدقائها، ويودي بها إلى التقارب مع موقف النظام من تلك «اللاورقة»،ومن الأطراف الدولية التي تقف خلفها، باعتبارها لا تصبّ في مصلحته، ولاتخدم سياسته التفاوضية، التي اعتمدت المراوغة في الجولات وتجنب الدخول في الملفات الأساسية.
أما بخصوص النقاط الخلافية مع تلك «اللاورقة»، والتي تقارب بين النظام وبعض أطراف المعارضة، فيمكن تلخيصها في الآتي:
– أولاً، تطرح «اللاورقة» في مضامينها إدخال تغييرات على مسارات العملية التفاوضية، وموضوعاتها، بالخروج من مسار الجولات العبثية، التي كانت وصلت إلى ثماني جولات، من غير ذي عائد تفاوضي حقيقي بين الطرفين، ليحل مكانها اجتماع مفتوح التوقيت ودائم، لكل الأطراف المعنية، مع تحديد الموضوع المفترض مناقشته، في كل مرة، وتحديد الفترة الزمنية لانجازه.
– ثانياً، توضّح «اللاورقة» مواضع الخلاف بين الطرفين المعنيين، (النظام والمعارضة) دون مواربة، وتضع أولياتها اليوم بما يتعلق بالإصلاح الدستوري الذي تراه أساساً عملياً في الانتقال السياسي وليس العكس، وضمن ذلك النص علىتقليص صلاحيات الرئيس وتوزيعها على الحكومة والبرلمان، وإعطاء صلاحيات موسعة لرئيس الحكومة الذي يتم تعيينه بعيداً من رأي رئيس الدولة، وإبطال حق الرئيس باقالته.
– ثالثاً، تعتمد «اللاورقة» رؤية الاتحاد الأوروبي، التي طرحتها وزيرة الخارجية «موغريني»عام (2016)، لتصحيح مسار رؤية المعارضة في ما يتعلق بالنظام البرلماني، المشكل من غرفتين، إحداهما تختص بتمثيل كافة الأقاليم (المحافظات)، مع التأكيد أن الرئيس لا سلطة رئاسية له لحل البرلمان، ما يعني أننا إزاء نظام برلماني ولامركزي (فيدرالية من نوع ما، دون تسميتها صراحة).
– رابعاً، تتحدث «اللاورقة» عن اصلاح أجهزة الأمن وضمان الرقابة المدنية على الأجهزة العسكرية والأمنية، ووضع حد لإفلاتها من العقاب، والتزامها الدستور وحقوق الإنسان.
هكذا، فإذا كان النظام معنياً جداً برفض البند الأول المذكور، وذلك لكسب الوقت وتفويت الفرصة على المعارضة بدخول مفاوضات جدية، ضمن مسار التفاوض الأممي، الذي يعني إحالة نتائجه إلى مجلس الأمن، واتخاذ قرارات تنفيذية حيال ذلك، فإن المعارضة على عكس ذلك، أي يفترض أن يكون لها كامل المصلحة في استثمار الوقت لمصلحة تفاوض يدخل في صلب القضايا الخلافية التي يتمنع النظام في الدخول في تفاصيلها، وإلتزام الحضور الكامل خلال الجولات.
وبينما يتعاظم خوف النظام من قلب شكل ونظام الحكم في سورية، لأن ذلك يعني إنهاء الواقع الرئاسي الحالي، والذهاب إلى مرحلة انتقالية دستورية، (وليست فوق دستورية)، حيث تجد «اللاورقة» مخرجاً لهذه المشكلة بالشروع باصلاح دستوري يتوافق مع رؤية سورية الجديدة، ولا يدخل في متاهات شرعية قرارات المرحلة الانتقالية ومراسيم قراراتها التنفيذية، ما يستوجب من المعارضة أن تناصر خطة اللاورقة في تفاصيلها هذه، بدل أن تتشاطر مع النظام مخاوفه وتتشارك معه في رفضها، أو حتى في التشكيك بأهدافها.
ولعل من المفيد التذكير أن «اللاورقة» تشير إلى انتهاء مفاعيل حكم النظام المركزي، وتشدد على رؤيا جديدة تسهل عملية الممارسة الديموقراطية والتنمية المناطقية للأقاليم وتمثيلها السياسي في البرلمان، ما يتيح الولادة الثالثة للجمهورية السورية، مراعية بذلك الحقوق المواطنية الكاملة للسوريين، وطرق بناء البيئة المحايدة والآمنة، وذلك عبر مشاركة الأطراف السورية الحقيقية في عملية مفاوضات جنيف، ووقف الأعمال القتالية، ورفع الحصار والافراج عن المعتقلين، وانسحاب الميليشيات الأجنبية ونزع السلاح.
لكن، على مايبدو، فإن مخاوف المعارضة المحسوبة على تركيا، نمت من خلال تبني «اللاورقة» فكرة الحكم اللامركزي، لأنها تخشى أن يصبّ هذا المفهوم ويتلاقى مع مصلحة حقوق القومية الكردية، وهو مايجعل هذا الرفض مرتبطاً بأجندة غير ديموقراطية من جهة، وهو يقع ضمن أخطاء المعارضة التي لا تريد التمييز بين القضية الكردية في سورية، وما يتعلق بأكراد تركيا ومنظمتهم المصنفة «إرهابية»، ويتلاقى مع رغبة النظام في استمرار قبضة الحكم المركزي على مقدرات ومساحة سورية، وهو ما أنتج أساساً هذا الظلم والاستبداد القائم وهذه الفروقات التنموية بين مناطق سوريا القريبة من العاصمة والبعيدة عن الخطط التنموية الرسمية.
نعم من قبيل الاستغراب أن تلك القوى، التي انتقدت وهاجمت «اللاورقة «بهذه السرعة رغم كل مافيها من ايجابيات، هي ذات الأصوات التي قبلت بحضور مؤتمر «سوتشي» الذي حمل فشله قبل انعقاده، مدّعية أن الخطة لم تذكر مصير رئيس النظام، ومستقبله في الانتخابات، متناسية أن أهم نقطة يمكن الارتكاز عليها هو ربط الدول المنتجة «للاورقة» النظام السوري بملف استخدام الأسلحة الكيماوية، وبدوره في انتشار الإرهاب والتطرف، ما يعني وضع روسيا في حالة الدفاع عن النفس- قبل أن تدافع عن بقاء النظام السوري- لئلا تكون شريكة في أكبر قضيتين خلال الألفية الثالثة.
نقلا عن صحيفة الحياة