مسلسل يحيي وكنوز الحلقة 12 يحكي قصة عين جالوت المعركة التي خاضتها مصر ضد التاتار
دارت احداث جديدة من مسلسل يحيي وكنوز الكرتوني في الحلقة الـ 12 عن صد مصر لهجوم التاتار.
وتستعرض الديوان الاحداث التي شهدتها دول العالم بسبب غزو التاتار وسقوطها والاستيلاء عليها وقتل معظم المسلمين .
معركة عين جالوت، واحدة من أهم المعارك التي شكلت منعطفا حاسما في التاريخ الإسلامي، جرت أحداثها في 25 رمضان عام 658 هـ، الموافق للثالث من سبتمبر/أيلول 1260 ميلادي، وفيها انتصر المسلمون بقيادة السلطان المملوكي سيف الدين قطز على جيش التتار المغولي بزعامة هولاكو في منطقة عين جالوت بفلسطين.
وكانت هذه المعركة هي الأولى التي يُهزم فيها المغول منذ عهد جنكيز خان، وكان من نتائجها انحسار المد المغولي الذي أسقط الخلافة العباسية قبل ذلك في العراق.
أسباب معركة عين جالوت
عرف العالم الإسلامي خلال القرن السابع الهجري (13 م) أوقاتا عصيبة بسبب حالة الضعف والهوان اللذين عاشتهما أغلب البلدان الإسلامية عقب حملات الغزو من الجيوش المغولية بقيادة جنكير خان.
أدت هذه الحملات إلى سقوط العديد من الدول وتدمير معالم الحضارة الإسلامية فيها وسفك دماء المسلمين والتنكيل بهم، في وقت لم تستطع أي قوة عسكرية إيقاف الاجتياح المغولي المتمدد من الشرق إلى الغرب.
حالة الضعف شجعت المغول على مواصلة غزواتهم غربا لإسقاط الخلافة العباسية في العراق، بعدما اجتاحوا الأراضي الإيرانية، حيث خرج هولاكو -حفيد جنكيز خان- على رأس جيش ضخم قدر بـ120 ألف جندي، مجهز بالعدة والعتاد ومتجه إلى بغداد.
حاصر المغول بغداد حتى استسلمت واستباحوها وقتلوا عددا هائلا من سكانها ونكلوا بهم، بمن فيهم خليفة المسلمين المستعصم بالله، وأضرموا النار في أحيائها وهدموا معالمها الإسلامية وخربوا مكتباتها، وأتلفوا ما كان بها من تراث إنساني عريق، وكانوا قريبين من بسط سيطرتهم على منطقة الشرق الأوسط بالكامل بعدما سيطروا على بلاد ما وراء النهرين.
وبدل أن يتحدوا ضد العدو المغولي، أظهر أحدهم خنوعه لهذا الأخير، حيث أعلن الناصر يوسف الأيوبي حاكم دمشق وحلب، خضوعه للمغول وطلب مساعدتهم في الاستيلاء على مصر وإسقاط حكم دولة المماليك الناشئة، علما أنه كان حينها الأمير الأيوبي الأكثر قدرة وقوة على مواجهة هولاكو لو أراد ذلك.
وبالموازاة مع ذلك كانت الدولة المملوكية في مصر تعيش على إيقاع صراعات داخلية قوية وخلاف حول من له الحق في اعتلاء العرش.
وقد انطلقت الشرارة الأولى لتلك الصراعات عندما قتل المعز عز الدين أيبك فارس الدين أقطاي، واستولى بعدها على العرش، لكنه قتل عام 1257 على يد زوجته الثانية شجرة الدر بعد علمها بزواجه من ابنة حاكم الموصل.
بعد سنوات قليلة قُتل السلطان عز الدين أيبك وخلفه ابنه المنصور نور الدين، الذي كان لا يزال طفلا صغيرا، في كرسي السلطنة، لكنه لم يملك المهارات الكافية، بحكم صغر سنه، لإدارة شؤون الدولة، في ظل التهديدات المتنامية للمغول الذين كانوا يتربصون بالدولة المملوكية من أجل غزوها.
بسبب تهديدات المغول قرر قطز عزل الطفل نور الدين علي بن المعز أيبك، السلطان الصغير، والتربع على عرش سلطنة الدولة المملوكية بهدف التخطيط لمحاربة المغول، الذين كانوا يستبيحون دول العالم الإسلامي، خاصة في منطقتي غربي آسيا والشرق الأوسط، وهو ما تحقق له في معركة عين جالوت التي أوقفت المد المتواصل للجيش المغولي.
ولم يجد قطز أية معارضة من طرف الأمراء والقادة العسكريين والعلماء في مصر، لأن البلاد كانت في حاجة إلى سلطان قاهر قادر على إيقاف توغل التمدد المغولي ومنعه من دخول مصر.
قاد معركة عين جالوت السلطان المملوكي سيف الدين قطز، واسمه الكامل محمود بن ممدود بن خوارزمشاه، ولد في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1221 ببلاد ما وراء النهرين، وتوفي في 24 أكتوبر/تشرين الأول 1260 بمنطقة الصالحية بمصر.
هو ابن أخت السلطان جلال الدين خوارزم آخر سلاطين الدولة الخوارزمية التي كانت تحكم منطقة آسيا الوسطى وغرب إيران، اختطف عقب انهيار الدولة الخوارزمية عام 1231 على يد المغول، وأخذ كغيره من الأطفال إلى بلاد الشام كي يباع في سوق العبيد، وانتهى به الأمر عند عز الدين أيبك أحد أمراء المماليك بمصر.
أمر أيبك بتعليمه اللغة العربية والقرآن الكريم ومبادئ الفقه الإسلامي، كما تدرب على فنون الحرب واستخدام السيف والرمح والفروسية والعديد من المهارات القتالية الأخرى. ثم رقي قائدا لجند أيبك ثم قائدا للجيوش عقب تربع عز الدين أيبك على عرش سلطنة الدولة المملوكية، وأصبح بذلك يده اليمنى.
بمجرد تسلم قطز مقاليد الحكم في الدولة المملوكية، عكف على إعداد الجيش والعتاد العسكري لمواجهة الإمبراطورية المغولية، فقد كان يعلم أن مواجهتها قادمة لا محالة.
وكانت أول خطوة يقوم بها هي تقوية الصف الداخلي واستتباب الأمن، فجمع أمراء مصر ووجهاءها والقادة العسكريين، وشرح لهم أن أسباب ودوافع تقلده منصب سلطان الدولة المملوكية هي الاستعداد لغزو المغول، مع وعده لهم بحقهم في تعيين من يرونه مناسبا في الحكم بدلا عنه، بمجرد الانتهاء من قتال المغول، وقد ساهم هذا التصرف بشكل كبير في إعادة الهدوء إلى مصر.
وفي خطوة أخرى، عمل سيف الدين قطز على إصدار عفو عام عن جميع أعضاء قوات المماليك البحرية الذين هربوا إلى بلاد الشام بعد مقتل فارس الدين أقطاي. وكانت هذه الخطوة سببا في عودة جيش ضخم له خبرات كبيرة في الحروب إلى الدولة المملوكية، وفي مقدمتهم الظاهر بيبرس أحد كبار قادة المماليك ورابع سلاطين الدولة المملوكية، الذي قاد القوات العسكرية التي هزمت المغول في معركة عين جالوت.
وفي الوقت الذي كان يسهر فيه قطز على إعداد جيشه لمواجهة المغول أرسل له هولاكو رسالة تهديد ووعيد مع 4 رسل من التتار، تطالبه بالخضوع والاستسلام، حيث جاء في نص الرسالة: “إن الله تعالى قد رفع شأن جنكيز خان وأسرته ومنحنا ممالك الأرض برمتها، وكل من يتمرد علينا ويعصـي أمرنا يقضى عليه مع نسائه وأبنائه وأقاربه والمتصلين به وبلاده ورعاياه، كما بلغ ذلك أسماع الجميع، أما صيت جيشنا الذي لا حصر له، فقد بلغ الشهرة كقصة رستم وإسفنديار، فإذا كنت مطيعا كخدم حضرتنا فأرسل إلينا الجزية وأقدم بنفسك واطلب الشحنة، وإلا فكن مستعدا للقتال”.
كانت رسالة هولاكو إيذانا صريحا بإعلان الحرب، الأمر الذي دفع قطز إلى عقد اجتماع طارئ مع قادة الدولة المملوكية، للرد على رسالة هولاكو، وخلال الاجتماع لاحظ قطز أن قادته مترددون في خيار الحرب ومواجهة التتار، وهو ما جعله يقول لهم مقولته الشهيرة: “يا أمراء المسلمين، لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزو كارهون، أنا متوجه لألقى المغول بنفسي، فمن اختار الجهاد فليصحبني، ومن لم يختر ذلك فليرجع إلى بيته، فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين”.
وقد أثرت مقولة قطز بشكل كبير في نفوس القادة، الذين قطعوا في الحال ترددهم وأيدوا قرار الحرب، وكان من بينهم القائد الظاهر ركن الدين بيبرس الذي طالب حينها بقطع رؤوس سفراء هولاكو الأربعة وتعليقها على باب زويلة في القاهرة إعلانا بفتح باب الحرب ومواجهة التتار.
فتوى تجهيز الجيش
كانت الدولة المملوكية تمر بأزمة اقتصادية طاحنة، وكانت النفقات الضرورية لتجهيز الجيش وإعداد العدة والتموين اللازمين تشكلان تحديا كبيرا أمام قطز، الذي استدعى إلى مجلسه الاستشاري الأمراء والقادة والعلماء والفقهاء، وعلى رأسهم شيخ العلماء العز بن عبد السلام، وبدؤوا التفكير بطريقة لتجهيز الجيش.
اقترح سيف الدين قطز فرض ضريبة على الناس لدعم الجيش، لكن الشيخ العز بن عبد السلام لم يؤيد المقترح قائلا بوجوب تساوي الأمراء والوزراء مع عامة الناس في الممتلكات قبل ذلك، وأن يجهز الجيش بأموال الأمراء والوزراء، وفي حالة عدم كفاية هذه الأموال لتجهيز الجيش جاز حينها فرض الضرائب على العامة بالقدر الذي يكفي لتجهيز الجيش.
قبل السلطان سيف الدين قطز فتوى الشيخ العز بن عبد السلام وبدأ بنفسه وباع كل ما يملك وأمر الوزراء والأمراء أن يحذوا حذوه، فانصاع الجميع وأحضروا كافة ما يملكون من مال بالإضافة لحلي نسائهم.
لم تكف الأموال السابقة لتجهيز الجيش مما جعل قطز يقرر فرض دينار على كل رأس من أهل مصر، كما أخذ من أغنيائها وتجارها زكاة أموالهم مقدما وغيرها من الضرائب الأخرى.
وبلغ مقدار ما جمعه سيف الدين قطز من الأموال حوالي 600 ألف دينار. وقد كان هذا السلوك الرشيد في جمع المال من أسباب النصر في معركة عين جالوت.
معاهدة سلام مع الصليبيين
في خضم الاستعداد للحرب استقر رأي قطز على أن أفضل طريقة لمواجهة المغول هي محاربتهم خارج مصر، وبالضبط في فلسطين، ولتنفيذ هذه الخطة كان عليهم المرور بأراضي الصليبيين في الشام.
فلاقى قائد بالصليبيين، وأعلن عن معاهدة سلام مؤقتة تسمح لجيش المسلمين بالمرور من بعض المناطق الخاضعة لحكم الصليبيين، وتحييد جيشهم عن المشاركة مع أي من الطرفين سواء المغول أو المماليك.
رحب الصليبيون بالفكرة ووقَّعوا المعاهدة المؤقتة، التي تنتهي بانتهاء حرب المسلمين مع المغول، وكانت المعاهدة تنص على أن أي خيانة قد يقوم بها الصليبيون ستجعل المماليك يتركون حربهم مع التتار ويتجهون لفتح عكا.
أما إذا احترم الصليبيون المعاهدة وتمكن المماليك من هزم المغول فسيستفيد الصليبيون من الغنائم التي سيحصل عليها المسلمون، خاصة الخيول بأثمنة زهيدة، ومن جانبهم التزم الصليبيون بمد المسلمين بالمؤن والطعام طيلة مدة وجودهم في فلسطين.
بداية المعركة
بعدما وصل خبر قطع رؤوس السفراء الأربعة إلى هولاكو، أمر نائبه في بلاد الشام كتبغا نويان بتجهيز جيشه للرد على المماليك والانتقام للرسل الأربعة.
قام كتبغا بتنفيذ الأمر وقاد جيشا ضخما يقدر عدده تقريبا بنحو 20 ألف جندي منطلقين من سهل البقاع متجهين نحو فلسطين في الثالث من سبتمبر/أيلول 1260.
وصلت الجيوش المغولية إلى سهل منطقة عين جالوت بين مدينتي نابلس وبيسان في فلسطين، وهناك كانت أيضا جيوش الدولة المملوكية بقيادة سيف الدين قطز، وكان يقدر عددها هي الأخرى بنحو 20 ألفا.
ولهزم المغول وضع السلطان قطز خطة تقتضي إخفاء القوات الرئيسية لجيش المسلمين خلف التلال والأحراش الموجودة بعين جالوت، والاقتصار على إظهار مقدمة الجيش التي كان يقودها الأمير بيبرس، من أجل تمويه المغول بأن هذه المقدمة هي جيش المسلمين بأكمله.
وفي صباح 25 رمضان عام 658 هجرية، الموافق للثالث من سبتمبر/أيلول عام 1260، انطلقت المعركة بين جيش المغول ومقدمة جيش المسلمين، وألحق بهم المغول هزيمة خاطفة وظنوا أنهم حسموا المعركة لصالحهم، لكن القائد قطز لم يثنه ذلك عن المضي في تحقيق حلمه بهزيمتهم.
ظل قطز ثابتا وواثقا من نصر قريب، وما هي إلا لحظات حتى صرخ بأعلى صوته: “وإسلاماه وإسلاماه”، فعم صوته أرجاء المكان، وحامت حوله قوات جيشه، وهجموا على جيش المغول الذي تفاجأ بالعدد الهائل لجيش المسلمين وصبره وثباته في القتال.
ألقى قطز بنفسه وسط الجيوش وتفاجأ الجنود المسلمون بوجود السلطان سيف الدين قطز وسطهم على ساحة المعركة يحارب إلى جانبهم، الشيء الذي ألهب حماسهم ورفع من معنوياتهم وقوّى عزائمهم.
واشتد القتال وعلت أصوات المسلمين بالتكبير، ولم يستوعب المغول ما يحدث على ميدان المعركة فخارت قواهم وانهارت عزائمهم، وبدؤوا الفرار إلى التلال المجاورة بعدما رأوا قائدهم كتبغا يسقط صريعا في ساحة المعركة على يد أحد القادة المسلمين الذي يدعى جمال الدين آقوش الشمسي.
وبذلك انتهت المعركة بنصر تاريخي للجيش المملوكي المسلم بفضل حنكة سيف الدين قطز، الذي كان يمسك بزمام المعركة من على التلال، ودهاء الظاهر بيبرس الذي أبدع في قيادة جيش المماليك في قلب المعركة.
جدارية تجسد معركة عين جالوت التي وقت على أرض فلسطين وانتصر فيها المسلمون ودحروا جيش التتار – رائد موسى – الجزيرة نت
جدارية نحتها فنان فلسطيني تجسد معركة عين جالوت (الجزيرة نت)
كانت المعركة واحدة من أبرز المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي، فقد أنقذت المسلمين من خطر اجتياح المغول وإنهاء الإسلام في بلاد الشام وغرب آسيا، كما أن هذه المعركة كانت هي المرة الأولى التي يتلقى فيها المغول هذه الخسارة الفادحة.
وعدت المعركة بداية توحيد العالم الإسلامي تحت راية الدولة المملوكية لأكثر من 270 عاما، وأنقذت حضارته من الضياع والانهيار.
وكانت أيضا إيذانا بتحرير بلاد الشام من قبضة المغول وتحجيم قوتهم بالمنطقة، فلم يعد هولاكو قادرا على التفكير في إعادة احتلال الشام، وهو الذي كان مستقرا في تبريز، وكان أقصى ما فعله ردا على هزيمة جيوشه النكراء في هذه المعركة هو إرسال حملة انتقامية أغارت على حلب.
رد على الهجوم السلطان المملوكي سيف الدين قطز الذي دخل دمشق في 27 رمضان 658 هجرية على رأس جيوشه الظافرة، وشرع في إعادة استتباب الأمن في جميع مدن ومناطق الشام، وترتيب جبهاتها الداخلية، وتعيين ولاة لها.