د. شملان يوسف العيسى يكتب : حول العمالة الفلبينية في الكويت
شبّ خلاف في المجتمع الكويتي حول كيفية التعامل مع الفلبينيين بعد أن هدد الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي في مؤتمر صحافي بحظر سفر عمالة بلاده إلى الكويت، وتصاعد هذا التهديد بعد العثور على جثة خادمة فلبينية بشقة مهجورة في السالمية بالكويت… وقال الرئيس الفلبيني إنه فشل في حماية الفلبينيين في الكويت، ووجه سؤالاً إلى حكومة الكويت: «متى تتوقف هذه المعاملة غير الإنسانية لمواطنينا ومتى تحترم كرامتهم؟ نحن لا نطالب بمعاملة خاصة أو امتيازات لعمالنا، لكننا نناشدكم احترام كرامتهم وحقوقهم الأساسية وحمايتهم من الأذى»، وأشار إلى أن حكومته ستوفر الطيران بالمجان خلال 72 ساعة للعمال الفلبينيين الراغبين في العودة إلى بلادهم.
يلاحظ في بعض دول الخليج الاختلاف في التعامل مع العمالة الأجنبية، بعد انخفاض أسعار النفط وحالة التقشف وتقليص الامتيازات التي منحت سابقاً للمواطنين، لذلك نجد سوء معاملة في بعض مجتمعاتنا الخليجية ضد من هو غير مواطن، وتحميله مسؤولية مشكلات البلد كله، فمثلاً في الكويت طالبت سيدة من أعضاء مجلس الأمة بفرض ضرائب طرق على غير الكويتيين، واتهمت الوافدين بأنهم سبب تردي الخدمات الصحية والتعليمية، وحتى ازدحام الطرق سببه الوجود الأجنبي.
السؤال: هل الاتهامات التي طرحها الرئيس الفلبيني صحيحة، وما أسبابها، ولماذا لم تتم معالجتها بسرعة لتفادي إغضاب ضيوف الكويت من العمالة الفلبينية أو غيرها؟
يذكر أن عدد العمالة الفلبينية في الكويت بلغ نحو 241 ألف نسمة؛ منهم 165 ألفاً يعملون في المنازل، بنسبة تصل إلى 65 في المائة من العمالة الفلبينية. هذا العدد الكبير حتماً سيواجه مشكلات في بعض المنازل؛ سواء على شكل ارتفاع ساعات العمل، وعدم تسليم الرواتب في أوقاتها، وبعض ممارسات العنف ضد الخدم… وغيرها من المشكلات. الغريب أنه لا يوجد تشريع كويتي حتى الآن يحمي حقوق خدم المنازل وينظم شؤونهم؛ من ساعات عمل، وإجازات، ورواتب… وغير ذلك.
السفارة الفلبينية سجلت حالات عنف واضطهاد يتعرض لها بعض أفراد الجالية الفلبينية في الكويت… الحكومة الكويتية ردّت على الاتهامات بالقول إنه تم اتخاذ الإجراءات القانونية في الحالات التي ذكرها الرئيس الفلبيني. وأكد المتحدث باسم الحكومة أن «لدينا قوانين تحفظ حقوق العمال، وتنظم علاقتهم بأصحاب العمل، وتمنع تعرضهم لأي اعتداءات».
السبب الحقيقي وراء إيقاف إرسال العمالة الفلبينية للكويت، هو إقدام ثلاث خادمات فلبينيات على الانتحار، دون إجراء تحقيقات جادة عن سبب انتحارهن. لا نعرف الأسباب والدوافع التي تجعل الحكومة الكويتية ممثلة بوزارتي الداخلية والخارجية لا ترد على كل الاتهامات التي توجه ضد الكوست. كل ما تطلبه السفارة الفلبينية أسباب ازدياد حالات العنف والأذى ضد خدم المنازل.
الكاتبة الكويتية إقبال الأحمد كتبت في جريدة «القبس» مقالاً قالت فيه إنه حان الوقت لطرح سؤال مهم والوقوف عنده بكل جدية من قبل الجهات المختصة بحكومتنا الرشيدة: لماذا تغير المجتمع الكويتي من مجتمع متسامح محب ومحترم لكل من يسكن معه على هذه الأرض منذ عشرات السنين؟ لماذا تغيرت لغتنا من كلمات المودة والاحترام والاعتراف بالفضل، إلى لغة متعالية ناكرة لأي فضل ومحتكرة للحق في كل مجالاته؟ ماذا حصل؟ وكيف وصلنا إلى هذا المستوى (ولو كان عن فئة معينة من اللاإنسانية من دون أن تلتفت الجهات المعنية إلى هذا الأمر الخطير).
الكاتب حسن العيسى في «الجريدة» الكويتية كتب مقالاً بعنوان: «تواضعوا قليلاً» يقول فيه إن الرئيس الفلبيني لم يفعل غير أن يظهر اهتمامه السياسي بأوضاع العمالة الفلبينية وأكثرها عمالة منزلية، فحوادث انتهاكات حقوق وكرامة تلك العمالة تنشر في صفحات الجرائد بشكل شبه يومي؛ من جرائم، وضرب، وحبس في المنازل، وحرمان من الإجازات… وغيرها، وتعرض تلك الجرائد متفاخرة صوراً مهينة لفلبينيين مشتبهين؛ حسب وصف ثقافة الرياء المتعالية في أحد المحلات التي يملكها ويكفلها ويتاجر بها ابن البلد المنتج من عمل غيره وغير قابل للنقد. وتساءل العيسى عن كيفية ظهور أفعال كثيرة من الغطرسة والتعالي بشكل من التعصب للوطنية الكويتية، تجسدت بشكل معيب كصورة مرضية لنرجسية كويتية منغلقة متحاملة ترفض مواجهة واقع ممارستها وتنظر من الأعلى للأسفل للغير حسب منظورها وثقافتها التي كرستها حالة البحبوحة النفطية ومرضها الريعي.
وأخيراً نأمل أن يتم حل الخلاف الكويتي – الفلبيني بما يرضي الطرفين، وهذا يتطلب من المجتمع والدولة الاهتمام بالعمالة الوافدة ومعاملتهم معاملة إنسانية تليق بهم.
نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط