الرأي

كرم بدرة يكتب: أهكذا يُدار العالم… بسكرتير وصفقة؟

في لحظةٍ فارقة من تاريخ العالم، يبدو المشهد وكأننا أمام رجلين يتبادلان الأدوار، لكن الحقيقة أن أحدهما هو العقل المدبر، والآخر مجرد ظلٍّ يتحرك على المسرح.
الذين يظنون أن بنيامين نتنياهو يقود اللعبة في المنطقة، عليهم أن يعيدوا النظر: الرجل ليس أكثر من سكرتير سياسي لترامب، ينفّذ الأوامر ويبرر القرارات، في حين أن القرارات الكبرى تصدر من البيت الأبيض بروح أمريكية صافية، وبطموحات إمبراطورية لا تخفى على أحد.

خمس سنوات مقبلة سيعيشها العالم تحت وطأة هذا الثنائي: ترامب، بعقليته التي ترى السياسة الدولية صفقة تجارية قابلة للبيع والشراء، والنتن، الذي لا يتردد في أداء دور الوسيط المخلص مهما كان الثمن.
إنها ليست مجرد سنوات حكم، بل سنوات إعادة تشكيل خرائط، سنوات اختبار قدرة الأمم على الصمود أمام مشروع يخلط بين القوة العسكرية، والهيمنة الاقتصادية، والاستثمار في صراعات الشرق الأوسط لتغذية الداخل الأمريكي.

لقد اعتدنا في المنطقة أن نتعامل مع القوى الكبرى على أنها تأتي ومعها رؤية واضحة، مشروع مُعلن، أما ترامب، فهو يقدّم مشروعًا غير مكتوب، لكنه حاضر في كل خطوة:
أن يربح أولًا، أن يحصد مكاسبًا مالية وسياسية، وأن يستخدم الشرق الأوسط كساحة عرض مسرحيٍّ يرفع من أسهمه في الداخل الأمريكي، ونتنياهو، في هذا السياق، مجرد موظف يؤدي الدور بتفانٍ، كمن يدرك أن وجوده نفسه مرتبط بمدى طاعته.

إن ما يقلق حقًا ليس القرارات ذاتها، وإنما ما وراء القرارات: هذا الإصرار على إعادة صياغة التوازنات العالمية بطريقة فظة، بلا حسابات دقيقة، وبلا اعتبار لقوانين التاريخ. خمس سنوات بهذا النهج قد تعني اضطرابات اقتصادية، حروبًا صغيرة، وانفجارات اجتماعية في أكثر من مكان.

لكن، وكما علمنا التاريخ، فإن مثل هذه اللحظات، مهما بدت مظلمة، هي التي تخلق الفرص. الشعوب التي تعرف كيف تصبر وتتمسك بمصالحها، ستخرج أقوى. أما أولئك الذين يراهنون على “السكرتير” أو على سيده، فإنهم يكتبون لأنفسهم سطورًا قصيرة في كتاب طويل عنوانه: العالم لا يُدار بالأوامر، بل بالتوازنات.

زر الذهاب إلى الأعلى