fbpx
الرأي

سليم نصار يكتب : إسرائيل تستعد لحرب صغيرة تمنع عنها الحرب الكبيرة

منذ سبع سنوات والعالم يتابع باهتمام أخبار الحرب الأهلية السورية التي تحولت تدريجاً إلى نسخة ثانية مطابقة للحرب الأهلية الإسبانية.

وتستند حالات التطابق الصارخ إلى تورط عدة لاعبين خارجيين في النزاع القائم بين القوميين الذين كانوا يقاتلون تحت لواء الجنرال فرانسيسكو فرانكو، والجمهوريين المطالبين بإنشاء جمهورية إسبانية ثانية.

لذلك اعتبر المؤرخون أن إسبانيا عام 1936 كانت تمثل ساحة مثالية للحرب بالوكالة. وقد جذبت نيران تلك الحرب شيوعيي ستالين ونازيي هتلر وفاشيي موسوليني، إضافة إلى يساريي فرنسا والمكسيك الذين ساندوا محاربي الجمهورية الثانية وتصدوا للبرتغاليين الذين أمنوا لقوات فرانكو المال والعتاد.

وبعد مرور سنة على تلك الحرب، انضمت إلى مؤيدي القوميين جهات كثيرة بينها متطوعون من إرلندا بمباركة حاضرة الفاتيكان ومساندتها المعنوية.

واللافت أن عدداً كبيراً من الأدباء والصحافيين جاء من بريطانيا والولايات المتحدة بدافع الفضول والتعاطف مع دعاة الجمهورية الثانية.

وأصدر هؤلاء سلسلة كتب تؤرخ أحداث تلك الحقبة، كانت أشهرها رواية أرنست همينغواي وعنوانها: «لمن تقرع الأجراس؟» وقد حولتها هوليوود إلى فيلم اختير لبطولته غاري كوبر وأنغريد برغمان. وكان همينغواي في حينه يعمل مراسلاً لصحيفة «ألاينس» (الاتحاد).

وبخلاف الحرب السورية، فإن الفريقين المتحاربين في إسبانيا حرصا على تفادي قتل الإعلاميين، وعلى تحاشي هدم القصور والمنازل التاريخية الأثرية.

صحيح أن وسائل القتال في منتصف الثلاثينات لم تكن تضم الصواريخ والطائرات النفاثة، الأمر الذي ساعد في تقليل حجم الأضرار والأذى، ولكن الصحيح أيضاً أن الدمار الذي مورس في حلب وحمص وحماة وإدلب والغوطة الشرقية كان شبيهاً بالدمار الذي شهدته ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية.

منذ آذار (مارس) 2011- أي منذ انطلاق صيحات الاحتجاج والتذمر- سجل «مركز الدوحة للإعلام الحر» مقتل 153 عنصراً إعلامياً في سورية وفق تقرير آخر نشرته «جمعية الصحافيين السوريين». وقد شملت القائمة الطويلة أسماء صحافيات وصحافيين ومصورين ومندوبين مستقلين. كل هذا جرى خلال السنوات الأربع الأولى. ومن المؤكد أن هذه القائمة قد زادت من عدد الضحايا. في حين استمرت الحرب الإسبانية نحواً من أربع سنوات قبل أن يحسم الجنرال فرانكو المعركة الأخيرة لمصلحته. وفي هذا السياق، دخلت الحرب السورية سنتها الثامنة من دون أن تظهر في الأفق بوادر الحسم العسكري لمصلحة النظام أو خصومه.

ومن المؤكد أن التباطؤ في الحسم تم لأسباب خارجة عن إرادة اللاعبين الكبار. خصوصاً أن أعداء نظام البعث لم ينجحوا في إسقاط الرئيس بشار الأسد، أو استبداله برئيس آخر أقل ارتباطاً بإيران وأقل اعتماداً على روسيا.

وللذين تناسوا موجات الميليشيات التي تناوبت على محاربة نظام الأسد، نذكرهم ببعض العناوين الرمزية التي احتلت أخبار الصحف طوال السنوات الأربع الأولى من الحرب. وأهم تلك العناوين بشقّيها السياسي والعسكري، تحمل التسميات التالية: الجماعات المتمردة، أحرار الشام، الجبهة الجنوبية، جيش الإسلام، فيلق الرحمن، جيش إدلب الحر، لواء صقور الجبل، فيلق الشام، لواء شهداء الإسلام، جيش أحرار العشائر، لواء شهداء القلمون، جيش مغاوير الثورة، ألوية الفرقان، جيش النصر، جيش النخبة، جيش العزة، فرقة الصفوة، سرايا أهل الشام، لواء أحفاد صلاح الدين، الذئاب الرمادية.

ويُستخلَص من تركيبة هذه الأسماء طبيعة تنظيمها الديني والعنصري، إضافة إلى الجهات التي تمولها وتحتضنها، أجنبية كانت أم عربية.

لهذه الأسباب وسواها، يمكن القول إن الحرب الأهلية السورية استقطبت أكثر من مئتي تنظيم تنتمي إلى بلدان مختلفة وطوائف متعددة وقوى مأجورة.

ويرى المراقبون في دمشق أن النظام قام بتقليد المعارضة من طريق استقطاب عناصر أجنبية ساهمت في دعم الجيش، خصوصاً خلال السنوات الأربع الماضية. والسبب أن القوات النظامية تعرضت للإرهاق والوهن، الأمر الذي اضطر الأسد في مرحلة معينة إلى الاعتماد على جيش التحرير الفلسطيني من أجل حماية المواقع الاستراتيجية المهمة.

عقب التراجع التكتيكي الذي فرض على طهران الانكفاء الداخلي سنة 2015، قام بشار الأسد بزيارة مفاجئة للكرملين طلب خلالها العون العاجل من فلاديمير بوتين. ووجد الرئيس الروسي في هذا الطلب فرصته التاريخية للوصول إلى المياه الدافئة. وهو هدف عجز عن تحقيقه كل الزعماء الذين سبقوه منذ القيصر بطرس الأكبر.

قبل أن يبدأ بوتين عرضه العسكري، قام برصد حاجات المجتمع السوري التي تفاقمت متاعبه بحيث بلغت حداً لا يُحتَمَل. لذلك دشن مساعداته بتوزيع مساعدات غذائية في شهر رمضان المبارك. ولقد ساند الحملة الغذائية بإرسال عناصر من مناطق شمال القوقاز ذات الغالبية المسلمة. وكان بين عناصرها: رئيس الشيشان رمضان قاديروف والمفتي صلاح حاج مجياف، وقد نظم الاثنان حملة واسعة عبر جمعية الزكاة الخيرية التي حشدت جهودها في أيار (مايو) 2016 لتقديم المساعدات للاجئين السوريين في لبنان.

وفي آب (أغسطس) من السنة الماضية، أعلنت السلطات الشيشانية أن مؤسسة أحمد قادريوف ستبني مستشفى خاصاً للاجئين في سورية يتسع لإيواء 38 ألف مريض.

إضافة إلى النشاط الإنساني والاجتماعي، فقد ساهم التدخل الروسي العسكري في إعانة النظام على السيطرة الكاملة على مدينة حلب وضواحيها.

ويرى خبراء السلاح أن روسيا قامت باختبار مئتي نوع من الأسلحة في سورية. وكانت المقاتلات المطورة من طراز «سو-57» بين أنظمة الدفاع التي اختبرها الروس. وذكر الجنرال فلاديمير شامانوف أن بلاده أجرت مفاوضات مع عدد من دول الشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا حول إمكانية بيع هذه المنظومات.

وعلى رغم المساندة العسكرية التي قدمتها موسكو بواسطة سلاح الجو، إلا أن طهران ظلت تمثل علاقة متميزة مع دمشق منذ عهد الرئيس حافظ الأسد.

ولما تزاحمت الميليشيات المحلية والأجنبية على تشديد الحصار على قوات بشار الأسد، دفعت إيران بفرقة تابعة لـ «الحرس الثوري» بغرض حماية أهم حليف لها في المنطقة العربية. وشوهد في حينه قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني يشرف على سير المعارك، كما شوهدت عناصر تابعة لـ «حزب الله»، الحليف الاستراتيجي لطهران ودمشق، وهي تقاتل من أجل إبقاء سيطرة النظام على المناطق المهمة.

هذا الوضع المقلق في سورية جدد شعار المرحوم الأستاذ غسّان تويني أثناء وصفه الحرب الأهلية اللبنانية بأنها «حرب الآخرين فوق أرضه». وربما ينطبق هذا الشعار على وضع بشار الأسد، الذي احتفظ برئاسته الباهتة عقب استدراجه قوى إقليمية ودولية جاءت للدفاع عنه وعن نظامه.

بل هذا ما يشعر به الروسي والإيراني والتركي، بأن الولايات المتحدة فقدت حضورها الطاغي في الشرق الأوسط، الأمر الذي شجع اللاعبين الجدد على ملء الفراغ الحاصل.

وبسبب الفراغ، يحاول رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتانياهو افتعال حرب ضد إيران شرط أن تكون إدارة دونالد ترامب مظلتها السياسية. ومن المنطقي الاستنتاج بأن «حزب الله» سيكون المستهدَف الأول في هذا النزاع. وتؤكد مصادر الأمم المتحدة بأن نتانياهو يخطط لإنقاذ نفسه من ورطة الفضائح، والسعي إلى إقناع إدارة ترامب بضرورة التصدي لإيران، ومنع مقاتليها من محاصرة هضبة الجولان.

وفي هذا السياق، بدأت ملامح الاعتراض الأميركي تظهر في الصحف، محذرة إسرائيل من سلاح «حزب الله»، ومن صعوبة تحقيق سلام يكون الهدف الأساسي من إعلان الحرب. ولقد قرأ نتانياهو في استعداد الرئيس حسن روحاني محاورة دول الخليج إشارات ضعف تنم عن تجنب التورط في حال تجاوز «حزب الله» الخط الأحمر في مرتفعات الجولان.

كذلك حاولت إدارة ترامب إقناع إسرائيل بعدم الإقدام على هذه المغامرة الخطرة، خصوصاً أنها في صدد الإعلان عن «صفقة القرن» التي تحدثت عنها المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هايلي.

بقي السؤال الأهم: هل التهديد بشن حرب صغيرة توفر على إسرائيل الغرق في حرب كبيرة تشمل ثلاث جبهات هي سورية ولبنان وغزة، أم هو مجرد خدعة لتــحويل الاهتمام عن فضائح نتانياهو؟

جهاز الاستخبارات العسكرية في إسرائيل يرى أن الانتخابات النيابية المقبلة في لبنان ستحمل إلى المجلس الجديد غالبية تابعة لـ «حزب الله» وحلفائه تتعدى السبعين في المئة. وهذا التحوّل، في نظرها، يؤسس لإعلان جمهورية تابعة سياسياً وإدارياً لإيران. وهذا ما ترفضه الإدارة العسكرية الإسرائيلية التي استعجلت في بناء جدار الفصل مع لبنان!

نقلا عن صحيفة الحياة

زر الذهاب إلى الأعلى