سلمان الدوسري يكتب : ما الذي تغير في موقف السعودية من القدس؟
منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب نيته نقل سفارة بلاده إلى القدس قبل نحو أسبوع، والسعودية تؤكد موقفها الثابت والحقيقي، مرة تلو أخرى، ومن خلال أربع مناسبات: الأولى فور توقيع ترمب لقراره، عبر وزارة خارجيتها، حيث حذرت بشدة مما وصفته بـ«تداعيات بالغة الخطورة» قد تنجم عن قرار الإدارة الأميركية نقل سفارتها إلى القدس، والاعتراف بالمدينة عاصمة لإسرائيل. والثانية من عادل الجبير وزير خارجيتها الذي قال إن بلاده سبق أن حذرت من أن أي إعلان أميركي بشأن القدس يسبق الوصول لتسوية نهائية، سيضر بمفاوضات السلام، وسيجعلها أكثر تعقيداً، وسيشكل استفزازاً لمشاعر المسلمين حول العالم. والثالثة أول من أمس، في جلسة مجلس الوزراء، عندما جدد دعوة الرياض للإدارة الأميركية إلى التراجع عن هذا القرار، والانحياز للإرادة الدولية في تمكين الشعب الفلسطيني من استعادة حقوقه المشروعة. أما المناسبة الرابعة، وهي الأهم، فهي التي عبر عنها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في خطابه الملكي السنوي تحت قبة مجلس الشورى، أمس، عندما أشار إلى أن وصفة المملكة للخروج من أزمات المنطقة وحل قضاياها، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، واستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة، بما في ذلك حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، تتركز على الحل السياسي، قبل أن يشير إلى استنكار بلاده وأسفها الشديد للقرار الأميركي بشأن القدس «لما يمثله من انحياز كبير ضد حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية والثابتة في القدس». ولعل أقوى تأكيد لصلابة المواقف السعودية، ما قاله الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في كلمته أمام القمة الإسلامية المنعقدة في إسطنبول: «قال لي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز كلمة واحدة: لا حل من دون دولة فلسطينية عاصمتها القدس. غير ذلك لا تسمع أي كلام من أحد».
إذن الموقف السعودي من الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، موقف واضح وصريح من دون مواربة، بل يمكن القول إنه لم يكن هناك متغير في السياسة السعودية من القضية الفلسطينية عموماً، بقدر ما هو موقف ثابت متجدد، ومع ذلك فإن هناك من سعى لنشر شائعات بشأن تغيير فجائي في موقف المملكة، فيما يتعلق بموقفها من فلسطين، بالاعتماد على التكهنات والقصص المختلقة. والحقيقة التي تغيب عن أولئك الذين ينشرون الإشاعات ويؤلفون الروايات، أن ما يفعلونه يصب في صالح المملكة، ولا يضيرها قط. فهذا يثبت – أولاً – أن السعودية دولة مؤثرة ومحورية وتقود العالمين العربي والإسلامي، وأنها تستطيع فعل ما لا تستطيع دول كثيرة مجتمعة فعله، وثانياً أن المملكة محقة في مواقفها من بعض الدول والجماعات، كقطر وإيران أو «الإخوان المسلمين»، باعتبارهم يقودون باستماتة هذه المعركة. أما الأمر الثالث فهو أنه بانجراف بعض الأطراف الفلسطينية في هذه الحرب العدائية، فإنهم يحررون المملكة من أي التزام أخلاقي أو سياسي مع هذه الأطراف مستقبلاً، مع الإشارة إلى أن الرياض متى ما اتخذت موقفاً جديداً في أي قضية محورية، فإنها قادرة على الإعلان عنه ما دام يعبر عن مصالحها، فهي لا تتخذ قراراتها بناء على ما يطلبه المشاهدون، سواء كانوا دولاً أو جماعات، بل تتخذها بحسب ما تقتضيه مصلحتها الوطنية ومصلحة شعبها أولاً وثانياً وعاشراً.
لا يضر السعودية إطلاقاً أن يحرق علمها أو صور قادتها على الأراضي الفلسطينية باستفزاز سافر، ولا تهز فيها شعرة معارك كلامية ينقضي مفعولها في جزء من الثانية، فقد جربت ولعقود طويلة كثيراً من هذه الجعجعة ولم تتأثر قط، وإنما كانت كافية لتمنحها مناعة تقيها حروبهم، ووقوداً يثبت صحة سياساتها؛ لكن ما يبقى بعد هذه الزوبعة هو أن الخاسرين وحدهم الذين تفضحهم مواقفهم الحقيقية من البلاد التي دعمتهم وساندتهم كما لم يفعل أحد. الموقف السعودي من القدس لم يتغير ولا يزال ثابتاً. ما تغير فعلاً أولئك البارعون في التزوير الراسبون في الحقيقة، الذين فضحوا أنفسهم وكشفوا حقيقة مواقفهم، وقدموا – من دون أن يعلموا – أفضل خدمة للسعودية.
نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط