الشعب صاحب السلطة العليا في تعديل الدستور
الدكتور عادل عامر
الدستور المرن هو ذلك النوع من الدساتير التي تعدل وفق إجراءات وضع و تعديل القوانين العادية . و هذا النوع من الدساتير يندر وجوده في الوقت الحاضر و الأمثلة عليه ضئيلة جداً . أما الدستور الجامد فهو ذلك الذي يتطلب إجراءات أكثر تعقيداً لتعديله ، إلا أنه رغم وصف الجمود فإن نصوص هذه الدساتير تظل عرضه للتعديل عندما تقتضي الظروف ذلك . و هذا التعقيد يمنح الدستور نوع من السمو و الثبات النسبي. «إن الدستور في روحه وفى مجموع نصوصه هو النظام الذى يكفل للشعب حكم نفسه بنفسه بإرادته واختياره،
أن الدستور هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم شكل الدولة ونظام الحكم فيها وتنظيم السلطات وتنظيم حقوق الأفراد والحريات ،كما أن الدساتير تنشئ بعدة طرق كالمنحة أو العقد أو الجمعية التأسيسية أو عن طريق الاستفتاء ،و أن للدساتير أنواع فقد تكون مكتوبة أو عرفية كما قد تكون جامدة أو مرنة .وبتغير الأوقات وتطور المجتمعات تكون من الضرورة تغيير بعض القواعد الدستورية تماشيا مع التطورات الجديدة لذلك يجب تغيير أو تعديل الدستور ،كذلك قد تنتهي هذه الدساتير ،
ويكفل لأفراده تمتعهم بحقوقهم الشخصية والسياسية، فالدستور هو المرادف للديمقراطية، والحكم المطلق هو قيام حكومات تفرض على الشعب فرضا، وتلجأ لكى تبقى على غير إرادته، إلى إهدار حقوقه وكبت حريته».
إن الأمة هي مصدر السلطات، وبالتالي فإن الدولة المدنية تختلف عن الدولة الدينية التي ظلت تحكم العالم في الحضارات القديمة ردحاً من الزمن، وكانت هذه الدولة تقوم على الحق الإلهي في الحكم لبشر معينين، كما كان في الحضارة القديمة التي كانت تجعل الملك ابن الله أو هو المفوض من قبل الله في حكم الدولة، كالحضارة المصرية القديمة وحضارة فارس القديمة، والحضارة الأوروبية في العصور الوسطى، بينما تقوم الدولة المدنية على أن الحكم هو حق الأمة، وهي صاحبة التفويض لمن تشاء، فكأن الأمة تحكم نفسها بنفسها.
أما بالنسبة للدولة الإسلامية فكان على رأس النقاط المهمة أو المحددات التي تحدد منطلق السلطة المدنية في هذه الدولة منذ نشأت على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأمة مصدر السلطة بحيث لا تختلف هذه الدولة المدنية الأولى في أسسها ومعالمها عن أسس ومعالم الدولة الحديثة في عصرنا الحاضر بل تتفوق عليها.
وأول هذه الأسس والمحددات لقيام الدولة المدنية في الإسلام هو أن الأمة في النظام الإسلامي هي: مصدر السلطات فتعطي السلطة لذوي السلطة، فلم يتول حاكم في تاريخ الإسلام الحكم بناء على حق إلهي مطلق، أو أن الله خلقه ليكون حاكماً على أمة ما أو مجموعة بشرية، إنما كان الخلفاء يستمدون سلطتهم من البيعة.
ولا شك أن الدساتير تخضع بحكم الضرورة للتطور، ولم يبق أي دستور على حاله عند وضعه، لأن مسيرة الدستور ترتبط بالرجال الذين يطبقونه وبالظروف المحيطة به، فتطور الأحداث السياسية قد لا يؤدى إلى تعديل الدستور فحسب بل إلغائه، وتخضع أساليب تعديل الدستور بالطريقة القانونية التي يرد النص عليها في صلب الدستور لإجراءات خاصة أكثر تعقيدًا من إجراءات تعديل القوانين العادية، والمقرر في كل دول العالم ألا توضع عقبات أمام تعديل الدستور لذا فإن الإجراء المتبع هو جعل الاختصاص بتعديل الدستور للسلطات التي قام بإنشائها الدستور.
والأسلوب الأكثر انتشارًا لتعديل الدستور يكون من الاعتراف للبرلمان بسلطة تعديل الدستور مع اشتراط إجراءات أكثر تعقيدًا من الإجراءات اللازمة لتعديل القوانين، فضلًا عن اشتراط أغلبية من أعضاء البرلمان والتفرقة بين القوانين الدستورية، والقوانين العادية ترجع في الواقع إلى دراسة القانون الطبيعي، التي ترى أن القوانين الأساسية باعتبارها العمل الأساسي للأمة صاحبة السيادة هي التي تنشئ السلطات الأخرى في الدولة وتحدد لها اختصاصها، وهو ما يجعلها بحكم موضوعها ومصدرها ذات سيادة مطلقة في مواجهة السلطات التابعة، وعلى وجه الخصوص في مواجهة السلطات التشريعية التي لا تستطيع تعديلها أو إلغاؤها أو مخالفتها، وذلك لأن السلطات المفوضة لا تملك أن تعدل في شروط تفويضها وإلا فإنها تفقد السند الشرعي لتصرفاتها.
وبديهي أن تحديد الدساتير لإجراءات وأشكال تعديلها يخضع لجملة اعتبارات عملية تتجمع حول مدى اقتناع واضعي الدستور بأنهم قد أقاموا نظامًا يجب له الدوام والثبات، كما تتأثر بمقدار ما ينطوي عليه الدستور من تفصيلات واعساه يتضمنه من أحكام غير دستورية ذات طبيعة مالية أو إدارية أو مالية سريعة التطور ولا تقبل التقييد.
وإذا كانت المادة 226 من الدستور المصري تعطى رئيس الجمهورية أو خُمس أعضاء مجلس النواب طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور.. ولا تجيز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية أو بمبادئ الحرية أو المساواة ما لم يكن التعديل متعلقًا بالمزيد من الضمانات، فإن قانون التطور الدائم في الأفكار والنظم يجعل هذا النص أمرًا منافيًا لطبيعة الأشياء بل مهددًا باضطرابات عنيفة في حياة هذا الشعب، لأنه حين يتطور الأمر، حين ينتشر الإرهاب، وحين تسيل الدماء،
حين يُقتل ضباطنا وجنودنا، حين يُقتل الأقباط داخل كنائسهم، ثم يجمد هذا النص أو غيره من أن يلاحق هذه الأحداث فسريعًا ما ينفصل الواقع عن القانون وهو ما يعرض الدستور ذاته للانهيار، فما دامت هناك ضرورة سياسية تلزم تعديل أي نص في الدستور فإنه يجب تعديلها بالأساليب القانونية الهادئة، حتى نستطيع أن نحمى الوطن والمواطنين من كل ما يمس أمنه ولا شك أن ما يناقض طبيعة الأشياء أن يفرض الشعب على نفسه نصوصًا في الدستور لا يستطيع سحبها أو تعديلها، ولكن ليس مما يخالف هذه الطبيعة ولا مما يجافى المنطق أن الشعب لا يستطيع أن يعدل هذه النصوص إلا طبقًا لنفس الشكل الرسمي الذى أصدره فيه.
فالدستور ليس خيمة مخصصة للاسترخاء بل هو خاضع بحكم الظروف والأحداث للتطور فيجب أن يتكيف مع ظروف المجتمع والأحداث الجارية فيه، فالدستور من صنع البشر ومن حقهم أن يعدلوا ما يحق لهم فيه!! هناك دول غيبت من نظمها القانونية مبدأ الرقابة على دستورية القوانين بذريعة أن ليس للمحاكم حق تقدير دستورية القوانين من عدمها وأن وظيفتها هي تطبيق القوانين لا الحكم عليها، وأبقت على بعض الصيغ التي تعبر عن ضرورة احترام الدستور في القوانين قبل إقرارها،
كما هو الأمر في سورية حيث تنظر المحكمة الدستورية بمشروعات القوانين المحالة عليها من مجلس الشعب لتبت دستوريتها دون أن يكون لرأيها إلزام على مجلس الشعب ومن الدول التي تنتفي فيها الرقابة الدستورية تونس والعراق والأردن. ان حكمة واضعي الدستور تلاحظ من خلال إدراجهم في الوثيقة الدستورية إمكانية تعديله مسبقا ،
وذلك وفق للحاجيات الملحة للمجتمع وبالتعبير للواضح نقول أن سلطة تعديل الدستور خاضعة للسلطة المؤسسة الأصلية ،الأمر الذي يجعل من سلطة التعديل سلطة تابعة ومشروطة ،ومعنى هذا أن سلطة تعديل الدستور محددة في عملها بكيفية يتحقق معها التوازن المعقول بين ضرورة تكييف الدستور مع الحقائق والوقائع الجديدة من جهة ،ومع ضرورة الحفاظ على وحدة الدستور وهويته من جهة ثانية أي يجب أن تكون إجراءات تعديل الدستور لابد أن تكون واضحة ومحددة في الدستور ذاته .