رندة تقي الدين تكتب : العالم يحتاج محاكمة قتلة الحريري وشهداء سورية
ثلاثة عشر عاماً مرت على سقوط رئيس الحكومة اللبناني رفيق الحريري بتفجير قاتل أمام فندق الفينيسيا في بيروت والقتلة ما زالوا في مكان مجهول. وقعت كارثة الاغتيالات في لبنان سنة 2005، وأمِل لبنان والعالم بعدها بإنشاء المحكمة الدولية التي من المنتظر أن تصدر الأحكام الغيابية خلال الأشهر المقبلة. لماذا غيابية؟ لأن المتهمين في حوزة من يحميهم وله النفوذ والسلطة في لبنان وسورية وإيران. تمت محاكمة مجرمي يوغوسلافيا الصرب ميلوسيفيتش وملاديتش وكاراديتش بقرار من المجتمع الدولي والأمم المتحدة وأوروبا خصوصاً. الكل بذل الجهد لعدم إفلات مجرمي صربيا من العقاب. أما الآن، فالأمل يتراجع بتسليم المشتبه بهم إلى المحكمة الدولية لجريمة اغتيال رفيق الحريري. والمحاكمة الغيابية تعني أن المجرمين سيكونون تحت حماية من له اليوم أكبر النفوذ في لبنان وسورية وإيران. إن قاتلي الرئيس الحريري ومن تبعهم في تصفية مناضلي الحرية في لبنان، من زملاء صحافيين مثل جبران تويني وسمير قصير وسياسيين، لن يحضروا إلى المحكمة الدولية، لأن نفوذ من وكّلهم بالمهمة منع ذلك بالسلاح والإرهاب والقوة. جريمة اغتيال العملاق الشرق الأوسطي الرئيس الشهيد الحريري كان ينبغي أن تدق ناقوس خطر الدول الكبرى، فمن قرر قتله لن يتراجع عن القيام بجرائم كارثية في بلده مع الذين ساهموا بتنفيذ الجريمة في لبنان. والآن، يتحدث الجميع عن بقاء بشار الأسد على رأس سورية، وها هي جرائم الحرب تزداد والكوارث تنهال على الشعب السوري والنظام الإيراني بلسان قاسم سليماني الذي يزداد غطرسة توازي الغطرسة الإسرائيلية، وهو يبشر العالم بأن هيمنة إيران باقية على سورية ولبنان، فالغرب منذ عهد أوباما يتحدث عن خطوط حمر بالنسبة لاستخدام السلاح الكيماوي في سورية ولا يفعل شيئاً عند انتهاك هذه الخطوط، ويتذرع بعدم الحصول على البراهين في حين أن الأطباء السوريين الشجعان يقدمون البراهين يومياً على قضاء الأولاد السوريين بالغازات والكلور. إن حالة العالم الحر مذرية، فروسيا ورئيسها فلاديمير بوتين الذي يبدو في رئاسة إلى الأبد أصبحت القوة العظمى، والكل يهرول إليها بحثاً عن الحلول لحمايتها نظاماً مجرماً ووقفت ضد القوة الأكبر، الولايات المتحدة.
واليوم في الذكرى الثالثة عشرة لاغتيال الرئيس الحريري، تم تعطيل معالم العدالة الدولية عبر الحسابات السياسية ولعبة الدول الكبرى. فلا شك في أن الأحكام الغيابية التي ستصدر من المحكمة الدولية ستكون ذات ثقل معنوي ولكنها لا تمثل الهدف الأساس، وهو منع الإفلات من العقاب، لأن الذين أعطوا الأوامر بالقتل هم اليوم أقوى من الديموقراطيات، ومستمرون بالقتل والمجازر. فمن حيث المبدأ لا يشك أحد في أن المحكمة الدولية لجريمة قتل رفيق الحريري إنجاز مهم، على الأقل معنوياً، ولكنه خيبة أمل كبرى أمام ما يجري اليوم في سورية ولبنان، ففي لبنان يهيمن حزب الله على قرارات البلد، شئنا أم أبينا، كما أنه سيهيمن على المجلس النيابي عبر قانون انتخابي فصّله على قياس نفوذه. في سورية، بشار الأسد محمي من بوتين وقاسم سليماني ووكيله اللبناني، وأصبح العالم الحر يخشى القول إنه يجب أن يرحل، لأن الجميع يخشى بوتين، فالسؤال اليوم هل قضى شهداء لبنان وسورية من دون أي محاسبة حتى مستقبلية؟ صحيح أن المحكمة الدولية على وشك أن تقول رأيها في جريمة حرمت لبنان من زعيم سياسي عربي أزعج حجمه العالمي نظامَي سورية وإيران ووكلاء إيران في لبنان، لكن رأيها سيبقى حبراً على ورق ما دام الإجرام مستمراً والقتلة يتمتعون بحماية النافذين الذين هم اليوم في السلطة. إن أوضاع المنطقة كارثية منذ سقوط الرئيس الشهيد، وهي سائرة إلى الأسوأ مع إفلات المجرمين من العدالة الدولية وإبقاء الخطوط الحمر أقوالاً وليست أفعالاً. ويوازي عجز المحكمة الدولية عجز مجلس الأمن، مع قدرة روسيا على تعطيله. واليوم، وفيما لبنان يحيي ذكرى الرئيس الحريري لا يمكن إلا أن يتضامن مع شهداء سورية الذين يسقطون يومياً بقنابل نظام بدأ ممارسته الإجرامية في لبنان.
نقلا عن صحيفة الحياة