عثمان ميرغني يكتب القدس… كيف يمكن مواجهة قرار ترمب؟
لا أدري لماذا فوجئ الناس بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بنقل سفارة بلاده إلى القدس، والأمر كان معروفاً ومتوقعاً منذ أول يوم دخل فيه الرجل إلى البيت الأبيض، بل قبل ذلك منذ بدايات حملته لانتخابات الرئاسة. صحيح أنه وقّع في يونيو (حزيران) الماضي على قرار تأجيل التنفيذ الذي درج عليه كل الرؤساء الأميركيين منذ أن تبنى الكونغرس الأميركي في عام 1995 قراره بنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، لكنه فعل ذلك تحت ضغط أركان إدارته، وقيل وقتها إنه لن يكرر التمديد مرة أخرى.
لو كانت الأوضاع غير ما هي عليه في العالمين العربي والإسلامي لكانت هناك خطوات جاهزة ومعدة منذ أشهر أو منذ سنوات لمواجهة القرار. لكن الأسباب التي جعلت من الصعب تصور التفاف العرب والمسلمين حول خطة جاهزة، هي نفسها التي شجعت ترمب على اتخاذ قراره الخطير. فالخلافات والحروب والانقسامات ظلت هي السمة الغالبة على الأوضاع في المنطقة منذ فترة طويلة، وأدت إلى حالة من الشلل والضعف والانشغال بالهموم الداخلية، ومحاولة كل طرف درء الأخطار عن نفسه. الفلسطينيون، عانوا أيضاً من انقساماتهم وصراعاتهم إلى حد التفريط في قضيتهم أحياناً، وخسروا بذلك الكثير.
هناك من يرى أن ترمب اتخذ قراره بنقل السفارة، وبالتالي الاعتراف بالقدس عاصمة «موحدة» لإسرائيل في هذا التوقيت للهرب من مشاكله الداخلية، خصوصاً مع تسارع وتيرة تحقيقات روبرت مولر في قضية التلاعب الروسي في انتخابات الرئاسة الأميركية. هذا الأمر قد يكون صحيحاً، لكنه لا يغير في الأمر شيئاً، ولا يلغي حقيقة أن ترمب كان يريد أن يتخذ القرار منذ يومه الأول في الرئاسة، وأنه كان سينفذه حتماً الآن أو بعد حين التزاماً بوعده الانتخابي ورغبته في تقديم «رشوة» أو خدمة لإسرائيل قبل إعلان مشروعه للسلام الذي وصفه بـ«صفقة القرن». كان من الواجب الاستعداد للخطوة والحشد لمواجهتها منذ فترة بدلاً من انتظار أن «يقع الفأس على الرأس».
ترمب لم يكترث لكل التدخلات والتحذيرات التي تلقاها من قادة المنطقة، ومن عدد من زعماء أوروبا والعالم من مغبة خطوته التي تخالف كل القرارات الدولية، وتوجه ضربة لجهود السلام وطرح حل الدولتين، ولا يمكن تخيل أنه سيستجيب الآن للبيانات التي تدعوه للتراجع عن القرار. ما العمل في هذه الحالة، وما الخيارات المتاحة؟
الجامعة العربية اجتمعت يوم السبت الماضي على مستوى وزراء الخارجية، وهناك اتصالات للدعوة إلى قمة عربية، كما أن منظمة التعاون الإسلامي دعت إلى اجتماع قمة التأم أمس، وهناك أيضاً اتصالات تجري ولقاءات تعقد على المستوى الثنائي. كل هذه الاجتماعات شددت على إدانة الخطوة الأميركية والتحذير من نتائجها المحتملة سواء على صعيد جهود السلام، أو على الأوضاع المتوترة أصلاً في المنطقة. لكن البيانات وحدها لن تغير شيئاً، بل أحسب أن ترمب عندما اتخذ قراره كان يتوقعها، وربما رأى أيضاً أن ردود الفعل لن تتجاوز البيانات وبعض مظاهرات الغضب. من هنا، فإن الدول العربية والإسلامية لا بد أن تتجه بالضرورة نحو تكثيف الجهود والضغوط، خصوصاً أن غالبية دول العالم تدعم القرارات الدولية التي تعتبر القدس الشرقية أرضاً محتلة ضمن حدود 1967. وهناك دعوات صدرت بالفعل وتنتظر ترجمتها للتوجه نحو الأمم المتحدة ومجلس الأمن لاستصدار قرار ببطلان خطوة ترمب باعتبارها خروجاً عن القرارات الدولية، وتهديداً لجهود السلام. بالتوازي مع ذلك هناك دعوات لمطالبة دول العالم للاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين، للتصدي لخطوة ترمب، ولإحباط المحاولات الإسرائيلية لانتزاع اعتراف تدريجي بالقدس عاصمةً موحدةً لكيانها.
الكلام عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة أو عن فرض مقاطعة تجارية، قد يبدو جذاباً للبعض، لكنه أمر غير وارد في الظروف الراهنة، بل قد لا يكون أصلاً مطلوباً في هذه المرحلة التي تحتاج إلى تكثيف الضغوط الدبلوماسية وحشد المجتمع الدولي وراء احترام القرارات الدولية الصادرة بشأن القدس وبشأن حل الدولتين الذي وجّه له ترمب ضربة تكاد تكون مميتة. أميركا بالتأكيد ليست وسيطاً نزيهاً أو محايداً في القضية الفلسطينية، لكن لا يمكن استبعادها من عملية السلام حتى لو نجحنا في إقناع أوروبا والدول الكبرى الأخرى بأن عملية السلام في الشرق الأوسط تتطلب إطاراً دولياً أوسع.
مع كل هذه الجهود المطلوبة عربياً وإسلامياً، يبقى هناك دور أساسي مطلوب من الفلسطينيين. فليس مفهوماً أن يستمر التعارك الفلسطيني، أو يبقى الانقسام بين رام الله وغزة بينما يستمر التوسع الإسرائيلي وتتدهور حياة الفلسطينيين. هل يعقل أن تتعطل جهود وخطوات المصالحة، في ظل التحديات التي تواجه قضية هي في الأساس قضيتهم؟
الفلسطينيون يحتاجون اليوم أكثر من أي وقت إلى توحيد صفوفهم، ومن دون ذلك لا أمل في نجاح أي جهود للتصدي للمخاطر التي تواجه القدس ومستقبل قضيتهم.
نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط