عدل الفاروق وما أحوجنا إليه
كتب : ياسر بدرى
كثير من الناس يتمنون تولي المناصب المختلفة، معتقدين أن تولي المناصب هو تشريف لهم، ولكن حقيقة الأمر أن تولي المنصب هو تكليف أكثر منه تشريف بل وتكليف ذو أمانة ومسئولية كبيرة وأحيانا قد لا يعي صاحبها مدى جسامتها.
ويجب أن يعلم الجميع بأن كل منا يعتبر مسئول في مكانه ولكن حجم المسئولية يختلف بإختلاف عدد من تمارس عليهم هذه المسئولية أو بالأحرى هذه السلطة.
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ألا كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع، وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته) متفق عليه.
ويوضح الحديث تفاوت المسئولية وإنها تختلف باختلاف الرعيّة المنوطة بالراعي، فتارة تكون المسئولية كبيرة وواسعة، وتارة تكون المسئولية صغيرة ومحدودة، فالأمير والحاكم والإمام والمسؤول تكون مسئوليته كبيرة وواسعة، تشمل جميع أفراد الأمة، وتشمل جميع شؤون المجتمع، والرجل مسئوليته في جميع ما يخصّ أهل بيته، والمرأة مسئوليتها تتعلق ببيت زوجها وعيالها، والعبد أو الخادم مسئول وراعٍ في مال سيده، والجميع سيكون مسئولا أمام الله جل وعلا عن رعيته.
ومن أكثر المشاهد التي توضح لنا جسامة المسؤولية والأمانة هو موقف سيدنا عمر رضي الله عنه عندما تولى الإمارة فأخذ يبكي فسألته زوجته لماذا تبكي فكان رده رضي الله عنه ” أني تقلدت (توليت) من أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم أسودها وأحمرها فتفكرت في الفقير الجائع والمريض الضائع والعاري والمجهود والمظلوم والمقهور والغريب الأسير والشيخ الكبير وذوي العيال الكثير والمال القليل واشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد فلو أن دابة في العراق تعثرت لخشيت أن يسأل عنها عمر لما لم يمهد لها الطريق فقلت ان ربي سائلي عنهم يوم القيامة فخشيت إلا تثبت لي حجه فبكيت!!
ما أروع سيدنا عمر الذي لُقب بالفاروق لأنه فرق بين الحق و الباطل وكان حريصا أشد الحرص على أن يكون عونا لمن تولى أمرهم حتى الدابة كان حريصا على أن يمهد لها الطريق بما له من سلطة الحاكم ولأنه يعلم أنه مسؤول أمام الله عن تيسير حياة الإنسان والرفق بالحيوان.
وعندما ذهب (رسول كسرى) إلى المدينة يريد مقابلة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه فأخذ يبحث عن قصر الخلافة وهو في شوق إلي رؤية ذلك الرجل الذي إهتزت خوفا منه عروش كسرى وقيصر… ولكنه لم يجد في المدينه قصراً ولا حراساً.
فسأل الناس : أين أمير المؤمنين عمر؟ فقالو ذاك النائم تحت الشجرة
فلم يصدق الرجل ماسمع فذهب اليه فإذا به عمر رضي الله عنه قد إفترش الأرض وإلتحف السماء وعليه بردته القديمة فوقف رسول كسرى مشدوها مستغربا وقال قولته المشهوره :
” حَكَمت … فعَدلت … فأمِنت … فنِمت … ياعمر ” فأين نحن من سيدنا عمر ؟
فما من إنسان إلا قد وُكِل إليه أمر يدبّره ويرعاه، فكلنا راعٍ، وكلنا مطالبٌ بالإحسان فيما استرعاه، ومسئولٌ عنه أمام من لا تخفى عليه خافية، فإن قام بالواجب عليه لمن تحت يده كان أثر ذلك في الأمة عظيما، وثوابه جزيلا، وحسابه عند الله يسيرا، وإن قصّر في الرّعاية، وخان الأمانة، أضرّ بالأمة، وعسّر على نفسه الحساب، وأوجب لها المقت والعذاب.
ولقد كتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لما وُلي الخلافة إلى الحسن بن أبي الحسن البصري أن يكتب إليه بصفة الإمام العادل، ومما كتب إليه الحسن رحمه الله :
اعلمْ يا أميرَ المؤمنينَ أَنَّ اللهَ جعلَ الإمامَ العادِلَ قِوامَ كُلِّ مائلٍ، وقَصْدَ كُلِّ جَائِرٍ، وصَلاحَ كُلِّ فاسِدٍ، وقُوَّةَ كُلِّ ضعيفٍ، ونِصْفَةَ كُلِّ مظلومٍ، ومَفْزَعَ كُلِّ ملهوفٍ.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم « إذا أراد الله بالأمير خيرًا جعل له وزير صدق، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزير سوء، إن نسي لم يذكره، وإن ذكر لم يعنه”. صدق رسول الله
لذا يوجّهنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف إلى وجوب القيام بحق الرعيّة وإرشادهم لمصالحهم الدينية والدنيوية، وردعهم عن ما يضرهم في دينهم ودنياهم، وعلى كل مسؤول اختيار البطانة الصالحة التي تعينه على آداء مهامه.
وبهذا يتبين لنا قيمة العدل، الذي يُعدُّ دُعامة كبيرة في القيام بالواجبات والحقوق، والإحسان في الأعمال، والرعاية لما تحت اليد، كما أنه يقرر مسئولية كل فرد فيما وُكِلَ إليه من نفوس وأموال ومصالح وأعمال، نسأل الله تعالى أن يعيننا على القيام بمسئولياتنا خير قيام، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى.