الرأي

دكتورة هبة إسماعيل تكتب: التغيير المطلوب… أم التغيير المفروض؟

 

في عالم سريع التغير، نُعلّم أنفسنا أن التكيّف مع المتغيرات هو مفتاح النجاح، وأن قبول التغيير علامة وعي ونضج واستعداد لمواكبة العصر.
لكن يظل السؤال الأهم: هل كل تغيير يُطلب منا تقبّله والتعايش معه… هو تغيير صحي ومقبول؟ أم أن هناك ما لا يجب السكوت عنه؟
في بعض المجالات، بات التغيير يحمل ملامح صادمة، لا سيما عندما تصبح “المعايير” الجديدة قائمة على أسس مشوهة.
هل يُطلب منّا أن نُغيّر من قيمنا ومبادئنا، لنلائم اختيارات قائمة على المال والنفوذ فقط؟
هل أصبح من الطبيعي أن يُطلب مقابل مادي مبالغ فيه لمنصب يفترض أنه مسؤولية وطنية؟
انتشر مؤخرًا فيديو أثار استغراب الكثيرين، تتحدث فيه إحدى الناشطات عن “أسعار كراسي البرلمان”، وكأنها تُعرض في مزاد علني…
لكن الحقيقة المُرّة أن هذا ليس بالأمر الجديد، بل هو واقع ظل يُمارس في الخفاء لفترات طويلة، حتى لم يعد يُمارس بخجل، بل بعلنية!
ما كان يُعد سابقًا تجاوزًا أصبح اليوم قاعدة، وما كان يُقال همسًا أصبح يُعلن بلا تردد.
وما يُثير الألم ليس في الحديث نفسه، بل في غياب الحياء من إعلان ما كنا نخجل منه، وكأن الأمور قد وصلت إلى مرحلة “الاعتياد”، لا الصدمة.
لقد أصبحت السياسة، في أحيان كثيرة، وسيلة لدى البعض للربح لا للمسؤولية، وصار البعض يمارسها لا بدافع الخدمة، بل بهدف الاسترداد…
استرداد ما دُفع، وما “استُثمر” للحصول على المقعد، على حساب من يفترض أنهم أصحاب الحق الحقيقي: المواطنون.
فهل يمكن أن نلوم نائبًا أنفق ملايين، إن اختار أن يجعل فترته البرلمانية فرصة لتعويض ما أنفقه؟
أم نلوم النظام الذي سمح بذلك، أو الصمت العام الذي لم يواجه هذه الظواهر بالحسم اللازم؟
إننا نعيش تحولات خطيرة في مفاهيم العمل العام، والرهان الحقيقي هو على وعي الناس ورفضهم لهذا “التغيير المفروض”.
فالتغيير الذي يُبنى على القيم، يبني الأوطان…
أما التغيير الذي يُفرض على حساب الأخلاق، فهو يهدمها من الداخل.

زر الذهاب إلى الأعلى