ماهر المنزلاوي يكتب: التدليس
إن من عظم مراد الله تعالى في الشرائع السماوية ، أن جعل أركانها كلها مظاهر مادية ( صلاة – صيام – زكاه – حج ) وهي مظاهر عملية ، واضحة البيان ، ظاهرة للعيان ، يُفْرَق فيها الحسن والسيء ، الصالح والطالح ، الغث والثمين ، يلاقيها إيمان واقر في القلب ، و خالج في النفس ، موافق لصحيح النية ، ف الإيمان قول وعمل ، ف يصبح كسيحاً ، ذلك الإيمان القلبي الذي لا عمل فيه ، ولا مظهر يدل عليه .
إلا أنه ، ومع كثرة الأفواه التي ظهرت في المجتمع ، الداعية الي أن الالتزام والايمان ليس بالشكل ، وإنما بحسن النية ، وصفاء القلب ، ونقاء السريرة ، فقد تكون المتبرجة أأدب من المنتقبة ، و المنحرف أدين من المستقيم ، وتارك الصلاة والمرتشي والسارق والزاني أفضل من الملتزم ، والمتعدي على حدود الله اخشع من الوقاف عليها ، وأنه لايدري أيهم إلى الله أقرب ؟ ، وإن كان قول في ظاهره الرحمة ، إلا أن باطنه من قبله العذاب ، وخلط لصحيح الدين ، ف الإيمان اعتقاد وقول وعمل ، فلم نجد في الآيات – الذين آمنوا ، وحسب ، وإنما أغلبية الآيات تقول – الذين آمنوا و عملوا الصالحات .
وكذلك أيضا ، ما تواترت عليه المحاكم في الآونة الأخيرة ، في ظل تنافس أصحاب الرداء الأسود ، علي كشف الحقيقة ، يقف بعضٌ منهم ، عاجز الفكر ، مقيد الرأي ، غير قادر على الانصياع وراء دعواتٍ ، مغلفة بالتدليس والغش والخداع ، مخالفة لمنطق الأشياء ، و ثوابت الأمور ، علي الرغم من اسنادها لمشايخ عظام ، تحمل في بعضها ضياع للحقوق ، ونصرة للظالم ، مثل دعاوي حلف اليمين ، وانه يحق للحالف أن يحلف علي نيته هو ، لا علي نية المحلف ، لطالما أنه لا ينتوي إضاعة الحق ، وأن تبقى ذمته مشغولة بالدين واجب السداد ، وان كل ما هنالك التهرب من الرسوم والمصاريف .
قد يتبادر للذهن ، ومن الوهلة الأولى – وعلى غير الحقيقة – أن ما أتى به أصحاب السبت ، ما هو إلا دربٌ من دروب المواءمة ، و سبيل من سبل الملاءمة ، وإن منطق التفكر ، وفلسفة التدبر ، تحملهم علي فعل ذلك ، للخروج من ضيق الرزق ، الي سعة العيش ، و مسايرة الحياة العصيبة التي يمرون بها ، وما ذلك إلا كذب واضح ، وتدليس بَيِّن ، ولو أنهم أدركوا أنه ابتلاء من الله بسبب ذنوبهم ، وصبروا عليه ، ولم يتجرءوا على محارم الله ، لَرفع عنهم هذا البلاء ، ونالوا رضوانه ، ورزقهم من حيث لم يحتسبوا .
إن كتم الحقائق والغش والخداع في نقل المعلومات ، وخلط ظلام الفكر بنور الحق ، و المطالبة به في ثوب من الباطل ، وتقزيم المعاني ، وتعظيم المباني ، واستخدام الكلمات حمالة الأوجه ، والإصرار على الكتابات الملونة ، بكلمات مبهمة ، ما هو إلا تدليس يؤدي في النهاية إلى ملايين من الأفكار الافتراضية ، والمعتقدات الوهمية ، التي تجعل المجتمع في حالة من التيه والتشرد وتفقده بوصلة التقدم ، وتحول بينه وبين صحيح الدين ومستقيم العقيدة …