مسئولية الضمير والقانون
الدكتور عادل عامر
ليس شك انه كان لمصر هو التوافق التام بين انتماء الغالبية العظمي من ابناء مصر الي السنة وحبهم المتحمس في الوقت ذاته لآل البيت وهي ظاهرة كما قلت تغيب عن معظم الاقطار الاسلامية ولعل النقيض هو الواقع الذي تحياه تلك الاقطار فالشيعة في ايران والبحرين والعراق واليمن وغيرها من الاقطار التي تضم اغلبية شيعية يضعون اطارا محددا حول السلالة المحمدية فلا يتصورون داخله شخصية اخري مهما سما قدرها .
لقد احب المصريون رسول الله وال بيته واعلنوا هذا الحب وحرصوا عليه لكنهم رفضوا ان يضم هذا الحب اطار من اي نوع ان تكون المذهبية بالتحديد هي الجسر الذي يصلهم بال البيت انه حب دافق خالص للرسول وال بيته واذا كان للشيعة اجتهاداتهم التي تحدد في اطار المذهبية فان اهل السنة من المصريين يجدون في تلك الاجتهادات تجاوزا تغيب عنه الحقائق الموضوعية ويتحدد في شريعة المساواة في الاسلام وفي الاخاء الاسلامي معني المسئولية والواجب فالمسئولية في الاسلام ليست هي مسئولية الضمير او مسئولية القانون وانما هي مسئولية الانسان امام الله مباشرة وهي مسئولية لا تقف عند الحدود الظاهرة من الاقوال او الافعال فحسب بل تتناول النوايا وما تخفي الصدور
الضمير طاقة انسانية مخزونة في وجدان وعقل وفؤاد كل انسان سوي بأخلاقه ومثله وبمبادئه الانسانية المنصفة بين الناس من الاحرى ان يتميز بها كل مسؤول قانوني او في القضاء او في أي جهة كانت وفق قيم الشرع والقانون ,
الضمير هو حاجة انسانية لا تستقيم الحياة بدونها لتحقيق التوازن بين الناس في الحقوق والمسؤوليات وتطبيق العدل في الفصل فيها .
القانون هو الناطق باسم ضمير الشعب وبإرادته تشرع القوانين ويأمر بتنفيذها وعلى تطبيقها كل فرد او جهة كانت بموجب الدستور او القانون الاعلى الناطق باسم الشعب بضميره الواعي والانساني والاخلاقي وهو يحاكي الجميع دون استثناء منهم النخب من المثقفين والعلماء والادباء ورجال الدين والاعمال والموظفين كافة والمواطنين البسطاء وهو فوق الجميع كل ذلك نابع من ضمير انساني واخلاقي حي مقتدر وبارع .
القانون هو المعبر عن ضمير الشعب وبإرادة انسانية وشرعية توجب احترام حقوق الافراد وحرياتهم وفق ما تقتضيها متطلبات حياتهم للأطفال والمرأة والكبير العاجز ورعاية الشباب وحق كل انسان في السكن والتنقل وحرية العمل والراي والمعتقد. قائم اساسا من ارادة المشرع و من ضمير انساني حي المعبر عن تطلعات الشعب وقيمه ومبادئه الانسانية وتطلعاته المستقبلية وحق ابناء الشعب بحياة حرة و كريمة وامنة ومستقرة .
في الوقت الذي يدعوا القانون في نصوصه واحكامه القانونية الى المساواة وتحقيق العدالة المنشودة لا يمكن من تحقيقها على ارض الواقع الا من قبل من يتحسس بها كقيم شرعية وانسانية مهمة في حياة الانسان وطمأنينته على سلامة عيشه من غير خوف او قلق ويؤمن بوجوب تطبيقها بوعي وادراك عال بالمسؤولية القانونية والقضائية ومن منطلق ضمير حي يلزم ذلك بدقة وتفاني واخلاص.
الخطأ في تقدير المسؤولية وفي حدوث الخطأ القانوني والحكم القضائي غير المنصف هل هو بسبب الضمير ام بسبب القاضي او القضاء المختض , ؟ الضمير لا علاقة له بارتكاب الخطأ القانوني او في أي اجراء من الاجراءات القانونية او الرسمية المختلفة الا بحدود القيام بالتنبيه عن الخطأ او بالتنبيه من الحذر من ارتكاب الخطأ وينتهي دوره وما على الشخص المختص والمسؤول الا وان يعمل لما تنبه عليه معتمدا على سعة خبرته وقوة وعيه وادراكه لحقيقة اثار الخطأ لمنع وقوعه او معالجته وفق القواعد والاجراءات الاصولية القانونية لما تنبه اليه ضميره ومدى استجابته لهذا التنبيه
وهنا يتضح اهمية الضمير الانساني الحي ودوره الايجابي الواعز للإصلاح والتطوير وتنفيذ الواجبات بالشكل القانوني والاصولي لتحقيق العدالة والانصاف في احكام القضاء خاصة بين الناس بالمساواة والعدالة فمن لا ضمير له تكثر عثراته واخطائه بعد ان يفقد من يرشده وينبهه ويذكره اذا ما نسى او تلومه نفسه اذا اساء وظلم في عمله او حكمه او في قضائه .
الضمير عامل مساعد في تحقيق العدالة وليس في تحقيق العدالة بذاتها عمليا انما القضاء هو المختص بالحكم وفق القانون وفق القناعة والراي الذي توصل اليه القضاة بعد البحث الشخصي واستقصاء المعلومات وتمحيصها وتقديرها وتقدير الادلة والبراهين المتعلقة بالقضايا والدعاوى المنظورة امامه للحكم بها , الضمير هنا يلعب بدور المراقب للأعمال والتصرفات والمحاسب على التجاوزات والاخطاء والمنبه عليها والواعز على عدم تكرارها يتوقف كل ذلك على من له ضمير حي قادر بكفاءته واخلاصه ان يفعل ما يتطلب من اتخاذ الاجراءات اللازمة بذلك وفق القانون وحرصا على سلامة مصلحة الافراد والناس عامة بوعي وادراك سليم ومنطقي وموضوعي وانساني .
وما رأيناه في الشارع المصري، من تعبير الجميع، من العامة والمثقفين، عن حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أمرٌ يُفرِح، إن الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليس عاطفة فقط، لا.. ثم لا. ولكن الحب الحقيقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: “أن يميل قلب المسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ميلًا يتجلى فيه إيثاره صلى الله عليه وسلم على كل محبوب من نفس ووالد وولد والناس أجمعين”.
وكما كانت مصر تقدم غذاء البدن لطلاب الرزق من الشعوب التي حولها.. فإنها كانت تقدم لهم أيضا غذاء النفس الذي تغذى به المصريون بفعل رسالات رسل الله التي زرعت في مصر نبتا طيبا كان له ثمرة على مر الأزمنة والقرون، حيث غرزت في أفئدة المصريين معان جديدة ومبادئ جليلة تغلبت على الماديات.. إذا رأت السعادة في صالح الأعمال، وفيما يكتسبه المرء من فضائل.. نرى ذلك واضحا في كتابات المصريين القدماء التي سجلت ما كان يسود حياتهم من عدالة، وبشـَّرت بأن الخلود لا تسوغه وجاهة أو ثراء، وإنما سبيله اجتناب الآثام وفعل الخيرات والصدق في القول والعمل والبر بالناس، واحترام حقوقهم والإعداد ليوم الحساب بعد الممات، بما ينبغي أن يتزود به الإنسان من دنياه لأخراه من صالح الأعمال. لذلك لم يكن غريبا أن يطلق عدد من المؤرخين الفلاسفة على المجتمع المصري القديم (المدينة الفاضلة). .فكل مولد وأنتم مغرمين بحب آل البيت ،فكل عام وانتم حريصون على تعليم أولادكم محبة آل بيت رسول الله ،و تعليمهم أنهم عترته وأنهم أحبابه وأنهم أهل رسول الله ، وأن من أحبهم فقد أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن من أعزهم فقد أعز رسول الله وأن من قدرهم فقد قدر رسول الله وأن من وصلهم فقد وصل رسول الله وأن من ودهم فقد ود رسول الله، علموهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكرنا بهم: “أذكركم الله في آل بيتي.. أذكركم الله في آل بيتي”، علموهم أن صلة آل البيت وودهم واجب..
أن الحديث عن المحبة يخطف ألباب وقلوب المتصوفة، ومحبة آل البيت واجبة على كل مسلم شرعًا وعقلًا وطبعًا، مؤكدًا: «دليل وجوب محبة آل البيت شرعًا قول الله تعالى: «قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي القربى»، وأما دليل وجوبها عقلًا فإن أقل شيء نهديه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جزاء ما قدمه لنا من عطاءات وتضحيات لا تُعد، هو أن نحب ونصل آل بيته، وكذلك كل طبع سليم يحب آل البيت».