fbpx
أهم الأخبارتقارير وملفات

كعكة “إعادة الإعمار” على وشك النضوج .. فأين مصر؟

تقرير – محمد عيد:

من يتابع الصراع الدائر حاليا بين شركتي “جنرال إليكتريك” الأمريكية، ومنافستها “سيمنس” الألمانية للفوز بعقد تطوير شبكة الكهرباء العراقية يدرك أن المنطقة مقبلة على صراع محتدم، ربما لن يقل ضراوة عما تشهده من صراعات سياسية وعسكرية على مدى السنوات الثماني الأخيرة.

كعكة إعادة إعمار المنطقة على وشك النضوج، والآكلون الملتفون حول المائدة جوعى، يحملون سكاكينهم استعدادا لالتهام أكبر جزء ممكن من تلك الكعكة التي تتجاوز قيمتها – بحسب الكثير من التقديرات- تريليون دولار.

فبعد السنوات العجاف التي عاشتها دول ما بات يعرف بـ”الربيع العربي” بدأ يطفو على سطح الخطاب الإقليمي والدولي مصطلح “إعادة الإعمار” في الدول العربية التى شهدت تدميرا كبيرا لبنيتها التحتية.

وهو مصطلح عادة ما يثير شهية الكثير من الدول والشركات الكبرى التي تتحين الفرصة لهدوء غبار المعارك، كي تنقض للحصول على فرصة في مرحلة ما بعد انتهاء الصراعات، لا سيما أن إعادة إعمار دول مثل سوريا، والعراق، وليبيا، واليمن لا يفوق فقط قدرات تلك الدول، بل يفوق أيضا قدرات الإقليم كله، بالنظر إلى حجم الدمار الذي شهدته تلك الدول، إضافة إلى ما تتمتع به من ثروات تغري المتربصين. ومن الخطأ بطبيعة الحال الاعتقاد بأن توزيع كعكة إعادة الإعمار في المنطقة سيخضع فقط للاعتبارات الاقتصادية، أو لإمكانيات الشركات المنفذة، بل ستكون للاعتبارات السياسية اليد العليا في هذا الشأن.

فالقوى الكبرى التي كان لها الدور الأبرز في حسم نتائج الصراع، ستنتظر تحصيل الفواتير، وتعويض ما أنفقته في زمن الصراع، لذلك بدأت جميعا استعدادا مبكرا لهذه اللحظة.

إن روسيا على سبيل المثال ستكون اللاعب الرئيسي فى إعادة إعمار سوريا، مثلما كانت في ميدان المعارك، وفى ظل الوضع الاقتصادى الراهن الذى تعانى منه دمشق، حرصت موسكو على البحث عن بدائل تسمح لها  بالمشاركة فى الإعمار مع الحصول على حقوقها المالية كاملة.

بدأت روسيا التنقيب عن النفط والغاز فى البحر بين طرطوس وبانياس، كما بدأ حلفاء الروس الظهور على الساحة، فاقترحت كوريا الشمالية المشاركة فى إعادة الإعمار رسميا، ولم تتأخر الصين فى إبداء عزمها على المساهمة، ووقعت اتفاقات بمليارات الدولارات مع الحكومة السورية للمشاركة فى الإعمار، وربما تحتكر إيران عقود توريد مواد البناء وبخاصة الأسمنت، إذ تلعب إيران دوراً عالمياً رياديا فى صناعته، ولها نصيب كبير في حجم تجارته العالمية.  الولايات المتحدة لن تكون بعيدة أيضا عن تلك الكعكة، وبالإضافة إلى هيمنتها على مخططات إعادة إعمار العراق، فهي تسعى كذلك إلى التهام نصيب من الكعكة السورية، التي تشير التقديرات إلى أن قيمتها ستتجاوز ٥٠٠ مليار دولار، وربما تكون واشنطن أكثر اهتماما بمناطق النفوذ الكردي، الغنية بالنفط، إضافة إلى العمل عن قرب من خلال حليفتها تركيا، التي تبحث هي الأخرى عن نصيب من بين أنياب موسكو وواشنطن. وربما يكون الوضع فيما يتعلق بإعادة إعمار اليمن شبه محسوم، فدول مجلس التعاون الخليجى، وبخاصة السعودية، ستسهم بنحو 70 %، من حجم المبالغ المخصصة لإعمار اليمن، والتى تصل إلى 100  مليار دولار.

ويجري حاليا على وضع تصور مستقبلى لإعادة الإعمار، وبطبيعة الحال يمكن أن يكون للشركات الأمريكية والأوروبية نصيب من تلك الكعكة.

إن الدول التي لم يكن لها حضور على خريطة الصراع بدأت السعي للتواجد في ميدان إعادة الإعمار، فألمانيا مثلا شكلت فريق عمل حكومي للتنسيق مع شركاتها الكبرى للدخول بقوة في منافسات إعادة إعمار الدول العربية. ولن تكون تلك المنافسة أيضا بعيدة عن الساحة الليبية، وخاصة في ظل القدرات الاقتصادية الليبية على سداد فواتير الإعمار.

ووفقا لتقرير البنك الدولى، فإن خسائر ليبيا تزيد على 202,6 مليار دولار، وكانت المنشآت النفطية الأكثر تدميرا واستهدافًا فى الصراع المسلح، لكن المنافسة على الكعكة الليبية لن تكون دولية فقط بل إقليمية أيضا.

فمصر تتطلع لنصيب يتناسب مع ما تحملته من أعباء في هذا الصراع، لكن دولا مثل تونس والجزائر لن تغمض عينيها، بل ستسعى بقوة إلي الحصول على نصيب.

ومصر يمكنها أيضا أن تكون لاعبا قويا على ساحة إعادة الإعمار، خاصة مع تحسن مؤشراتها الاقتصادية، والسمعة الجيدة التي باتت تتمتع بها في مجال مشروعات البنية التحتية.

كما أن القاهرة تتمتع بعلاقات جيدة وقوية مع كل من العراق وسوريا واليمن وليبيا، وهو ما يجعلها تسعى إلى الحصول على نصيب من كعكة إعادة الإعمار بغية تصدير قطاع المقاولات، الذى يعد من القطاعات ذات السمعة العالمية الجيدة، إضافة إلى خلق رافد جديد لعملة صعبة، وخلق فرص عمل جديدة للشباب المصرى.  لكن الأمر لا ينبغي أن يبقى أسير المبادرات الفردية، أو محاولات انتهاز ما يلوح من فرص، فلابد من مبادرات حكومية على مستوى عالٍ، وقد بدأت بالفعل خلال الزيارة الأخيرة للرئيس السيسي إلى روسيا.

كما ينبغي على منظمات الأعمال المصرية والاتحادات الصناعية والتجارية أن تتحلى بروح المبادرة، وأن تعمل كفريق متعاون لا شركات متنافسة، فدخول مصر بقوة في إعادة إعمار الدول العربية، ربما يمثل شريانا يعيد انتعاش الاقتصاد المصري كله لسنوات، والفرص السانحة لا يفوز بها سوى المبادرين.

 

زر الذهاب إلى الأعلى