fbpx
دنيا ودين

من أعلام القرن العشرين: العالم المناضل الدكتور/ عبد الودود شلبي في ذكراه‎

 من العلماء رجال صدقوا ما عهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه كالدكتور عبد الودود شلبي ومنهم من ينتظر – وهم كثير – وما بدلوا تبديلا، لقد ذاب هذا الرجل جسداً وروحاً في الإسلام، ودافع عنه بكل ما أتاه الله من بسطة في العلم والفكر والجهد والوقت والمال، فهو بحق كما يسمونه طلابه المنتشرون في شتى بقاع المعمورة (ناصر الحق)، لقد سخر حياته مدافعاً عن الإسلام أينما كان في الداخل والخارج ضد المشككين والمنصرين، ولقد ذكر في كتابه (المحاولة الفاشلة لتنصير طالب أزهري) تقريراً عن عدد مؤسسات التنصير وإرسالياته ووكالات الخدمات التنصيرية في العالم، وذكر عدد المعاهد التي تقوم بتأهيل المنصرين وتدريبهم، وقال أن عدد المشتغلون بالتنصير بلغ (5) ملايين نسمة، وهذه المؤسسات يصدر عنها (25) ألف مجلة سنوياً، فضلاً عن أنها أصدرت في عام واحد (100) ألف كتاباً كما أنها تملك (2500) محطة إذاعية وتليفزيونية، ثم قال: وهذا الذي دفعني للتصدي للتنصير ورد شبهات المنصرين والمشككين في الدين الإسلامي، ويتساءل الدكتور عبد الودود شلبي: (ما مدى علم دعاة الإسلام وعلماء المسلمون بمخططات التنصير في بلاد الإسلام؟ وهل لديهم إحصائية عن عدد المسلمين في العالم وخريطة توزيعهم في المعمورة؟) بالطبع الجواب: لا!! كان رجل شديد الغيرة على الإسلام والمسلمين وقال بصوت مليء بالحزن والأسى: (ألم يسمع المسلمون عن أنشطة بابا الفاتكان في أفريقيا؟! حتى أصبح فيها نسبة السكان من الكاثوليك 16% من إجمالي سكانها، أي بلغ عددهم (65) مليون نسمة)، ثم قال مشدداً لأولي أمر المسلمين: (من الضروري توجيه أنشطة الدعوة الإسلامية وبناء المساجد والمعاهد الدينية الأزهرية والجامعات إلى إفريقيا، حتى لا تذهب في أيدي المنصرين الكاثوليك وأنتم غافلون! ووقتها لن يجدي البكاء على اللبن المسكوب!).
 كما طلب الدكتور عبد الودود شلبي من شيخ الأزهر الشريف ألا يرسل دعاته إلى البعثات الخارج إلا بعد أن يستوفوا بعض الشروط، مثل: (لا يخرج مبعوث للعمل في أية منطقة إلا بعد أن يتعلم لغتها ويدرس أهم مشكلاتها وثقافتها والبدع والخرافات المنتشرة فيها، وأن يُلِمَّ بتاريخها وجغرافيتها، وأن يجتاز امتحانًا حقيقيًّا في العلوم الإسلامية والأفكار المعاصرة، وأن يجتاز امتحانًا في الحركات التنصيرية والشبهات التي يُثيرها أعداء الإسلام)، كما أنه طالب بإصلاح الأزهر مرارًا وتكرارًا، فقال: (لو كان للأزهر دور حقيقي ما ارتفعت صيحات الإلحاد والتطرف، واختفت إلى الأبد عصابات الإرهاب المسلَّح؛ فالأزهر تراجع عن دوره في التعريف بدين الإسلام الصحيح السمح، ودوره في تقويم اللسان العربي الذي يكاد يختفي في الأزهر نفسه!!)، وحول وضع الأقليات المسلمة يقول: (الأقليات الإسلامية تعاني من مشكلات كثيرة؛ أهمها ضعف المستوى الثقافي، والتربية الدينية، وخاصةً في مواجهة الحضارة الغربية؛ مما يجعل المسلم الذي يعيش في هذه البلاد سهل الاصطياد، ومما ساعد على ذلك غياب المؤسسات الدينية التي تتولى توعية ورعاية وتربية هذه الأقليات.وللأسف.. لا توجد دولة إسلامية تتبنى هذه الأقليات بالصورة المُثْلَى التي يمكن أن تحقق الهدف من الحفاظ على شخصية هؤلاء وهويتهم ودينهم)، أما عن دور الأزهر فمحدود للغاية وضعيف، والأزهر في بلده مصر ضعيف ويعاني من كثير من الأمراض، وفاقد الشيء لا يعطيه، والأزهر لم يعد يعبأ بتحفيظ القرآن تحفيظًا كاملاً، وقد كان هذا في الماضي هو الطريق الأساسي لدخول الأزهر، كما أن اختزال المناهج اختزالاً مخلاًّ ساعد في هذا التدهور، حتى إن الطالب في الأزهر لا يكاد ينطق عبارة أو آية صحيحة، والأجيال القديمة التي تربَّت في الأزهر القديم انتهت، وأصبح معظم العاملين الآن من الأجيال التي قلَّت بضاعتها في أمور الدين واللغة؛ مما أدى إلى فقدان الأزهر مكانته في مصر، وبالتالي في العالم الإسلامي، والذين يقولون غير ذلك كالذين يضعون رءوسهم في الرمال، والدليل على ذلك ما يراه الناس ويسمعونه من أئمة المساجد الذين لا يقدمون فكرًا ولا فقهًا، ويخطئون في القرآن وفي اللغة العربية، هذا الانهيار أدَّى إلى ظهور ما يسمونه بالتطرف؛ لأن الشباب فقد الثقة في الأزهر وعلمائه الذين يفتون اليوم بخلاف ما أفتَوا بالأمس، فلجأ هؤلاء الشباب إلى الدين وحدهم وهم لا يملكون الأدوات العلمية الصحيحة في البحث واستنباط الأحكام، فضلوا وأضلوا، واختلط الحابل بالنابل في مجال العلم الديني، ولو كان للأزهر حضور حقيقي لما سمعنا عن هذه التيارات وهذا التطرف الذي يؤدي بالشباب إلى متاهات تقوده إلى الهلاك).
 
ولقد لد هذا العالم الأزهري الجليل في 18/4/1925م بقرية ميت عفيف مركز الباجور محافظة المنوفية، حفظ القرآن الكريم بكتاب القرية، ثم التحق بالتعليم الابتدائي وفي سنة 1941م التحق بالتعليم الأزهري، وفي سنة1948م التحق بكلية أصول الدين، حصل على الماجستير من جامعة الأزهر ثم الدكتوراه من الباكستان وكانت حول (الأصول الفكرية لحركة المهدي السوداني ودعوته) عام 1976م، ووثقها من جامعة أكسفورد بلندن، وعمل أستاذ محاضر في العديد من الجامعات العربية والإسلامية والأجنبية، كجامعة الباكستان، والكويت، وقطر، والشارقة، وماليزيا، اندونيسيا، باكستان، بريطانيا، استراليا لكونه من العلماء الأزهريين القلائل الذين يجيدون اللغة الانجليزية بجانب اللغة العربية.
 
 بدأ حياته العملية سكرتيراً لفضيلة الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر ثم عمل مديراً لمكتب الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود ثم رئيساً لتحرير مجلة الأزهر، وعمل مديراً للمركز الإسلامي بمدينة سيدني بأستراليا (1978م-1980م) وعند عودته عام 1980م تولى منصب الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، اختير أميناً عاماً لمؤتمر العيد الألفي بالأزهر الشريف عام 1982م، اختير أميناً عاما للجنة العليا للدعوة الإسلامية عام 1985م و حتى تاريخ إحالته للتقاعد عام1990م، مثل مصر والأزهر الشريف فى أكثر من 79 مؤتمراً دولياً حول العالم، كما ترك زاداً فكرياً للمكتبة العربية والإسلامية يزيد على 30 كتاباً باللغتين العربية والانجليزية، وقام الرئيس حسنى مبارك بتكريمه ومنحة وسام الامتياز من الدرجة الأولى1991م.
 وبعد التقاعد رفض كثيراً من عروض الجامعات الأجنبية للعمل بها كأستاذ للتاريخ الاسلامى وتفرغ لأمور الدعوة الإسلامية وللكتابة وكان لا يفارق مكتبته الخاصة حتى أخر يوم فى حياته، وفي يوم 21/5/2008م فارق العالم الجليل عبد الودود شلبي الحياة بهدوءٍ دون صخب أو صراخ؛ فلم يعلم عن وفاته أحد، ولم تتناقل وكالات الأنباء خبر وفاته، ولم ينعه الكثير من وسائل الإعلام، ومن نعاه قال في نعيه: (فقدت الأمة الإسلامية والأزهر الشريف عالمًا ومفكرًا من خيرة علماء الأزهر، وهو الدكتور عبد الودود شلبي، الأمين العام الأسبق للجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر).
 وأسدل الستار وكأن شئ لم يكن، فمتى يكرم الأزهر أبناؤه النجباء الذين شهد لهم الأعداء قبل الأصدقاء بالعلم والفضل والسخاء؟ ومتى نعرف حق عالمنا؟ ونطبع كتبه التي تعتبر كنز لن يتكرر، وفريدة في بابها وليس لها بديل وكما قال الأستاذ عبد المعطي عمران رئيس تحرير اللواء الإسلامي في مقال له: (إن هذا العالم المتميز الذي كان زاهداً في الظهور في وسائل الإعلام لما وصلت إليه أحوالها من الخلط بين الغث والثمين يجب على المؤسسات الإسلامية والتعليمية والثقافية أنت تحيى ذكراه بما يليق به، وأن تعيد طبع تراثه الثري حتى يستفيد من المسلمون على أوسع نطاق، وقد أخبرني ابنه الوحيد المحاسب محمد أنه عل استعداد للتعاون في طباعة كتب والده كصدقة جارية على روحه وإحياء لذكراه وتراثه) فهل من مجيب؟!
بواسطة
بقلم: رسمي عجلان/ كاتب وباحث بالأزهر الشريف
زر الذهاب إلى الأعلى