fbpx
مصر القديمة الفرعونية

الملكة الفرعونية الخائنة !

الديوان الإخباري

قصة تاريخية حدثت فى العصر الفرعوني حيث أرسلت ملكة مصرية إلى ملك الحيثيين تخبره في رسالة ، أولا بأن زوجها الملك قد مات، وأنها لم تنجب ذكرا ليرث عرش أبيه، وأنها لذلك تطلب منه أن يرسل إلى مصر أحد أبنائه لتتزوجه وتجعله ملكا على مصر!.

لقد اتفق معظم علماء التاريخ والآثار على أن الملكة التى أرسلت الخطاب هى عنخ إس إن آمون، أرملة الملك توت عنخ آمون. وعدد قليل من العلماء من شكك فى كون هذه الملكة قد أرسلت هذا الخطاب لملك الحيثيين، وذلك بدافع رغبتهم فى نفى تهمة الخيانة عنها، حيث إن المعروف فى مصر الفرعونية أن زواج الملك المصرى من أميرات أجنبيات كان أمرا مقبولا وله مبرراته السياسية والدبلوماسية فى كثير من الأحيان، وحتى فى عدم وجود هذه المبررات كان الأمر مقبولا، أما أن يحدث العكس فلم يكن مقبولا أو حتى مباحا.

ولعل المثل الواضح فى هذا الشأن المراسلات المتبادلة بين الملك أمنحوتب الثالث وأحد أمراء الممالك الأجنبية على الساحل الفينيقى القديم والذى يبدو أنه أرسل رسالة إلى الملك أمنحوتب الثالث يطلب فيه مصاهرته، فكان رد الملك المصرى عليه حاسما وقاطعا حيث أرسل إليه يقول: «…. لم يحدث على هذه الأرض (مصر) منذ زمن الآلهة أن تزوجت أميرة مصرية من أجنبى!». والمدهش أن الأمير الأجنبى أرسل ردا على خطاب الملك أمنحوتب الثالث يوضح ويؤكد له أنه لم يطلب فى خطابة الزواج من أميرة مصرية، وإنما طلب الزواج من مصرية من بلاط مولاه الملك المصرى. أى أن هذا الأمير الأجنبى كان يمنى نفسه فقط بالزواج ولو من خادمة مصرية من قصر الملك أمنحوتب الثالث، لكى يعلن للمالك من حوله أنه صهر البلاط المصرى، وبالتالى يتقى غزواتهم وتكالبهم على مملكته خوفا من نسبه وعلاقته بمصر القوية.

من هنا نعلم مدى الجرم الذى يمكن أن تتهم به الملكة عنخ إس إن آمون التى لم تخطط فقط للزواج من أمير أجنبى، بل وكانت تخطط لجعله ملكا على مصر؟! ولأن الأمر كان غير مصدق عند ملك الحيثيين فقد أرسل رسولا إلى مصر لاستجلاء الأمر.

ويبدو من الأحداث أن الرسول قد عاد إليه ليؤكد له أن الملك توت عنخ آمون قد مات، وأنه ليس هناك من يجلس على عرش مصر! وبالفعل قام الملك بتجهيز أكبر أبنائه وأرسله مع حاشية محملة بالهدايا التى تليق بملكة مصر إلى جانب حامية من الحرس لحمايته وتأمين الطريق. ذهبت أمانى ملك الحيثيين بحكم مصر أدراج الرياح وجاءه نبأ مقتل ابنه ومن معه قبل حتى أن تطأ أقدامهم حدود مصر الشرقية، وأن من قتل ابنه هو القائد المصرى حورمحب بإيعاز من الوزير العجوز أى الذى سيصبح بعد ذلك ملكا على مصر!.

هذه الحادثة ستكون سببا فى إحداث شرخ فى العلاقات المصرية الحيثية سيؤدى إلى حروب لن تنتهى إلا فى عصر الملك رمسيس الثانى باتفاقية سلام موقعة بين البلدين بعد موقعة قادش الحربية الشهيرة. لكن كانت أولى نتائج مقتل الأمير الحيثى هى زواج الملكة عنخ إس إن آمون من أى واعتلاؤه هو عرش البلاد واختفاؤها هى من مسرح التاريخ وربما من الحياة كلها! هذه الملكة الشابة لم يكن عمرها قد تجاوز العشرين عاما، لكن حظها العسر جعل هذه العشرين عاما جزءا من أكثر أجزاء التاريخ المصرى القديم غموضا وإثارة.. واليكم القصة كاملة:

ولدت الأميرة عنخ إس إن با آتون (هى التى تحيا من أجل روح أتون) فى حوالى العام الثامن من حكم أبيها الملك أخناتون داخل قصره بمدينة أخت أتون، تل العمارنة الحالية. هى الابنة الثالثة للملك أخناتون وأمها الملكة الجميلة نفرتيتى، وهى أول من ولد لأبيها الملك داخل مدينة أخت أتون الجديدة، وقد سبقتها أختاها ميريت أتون ومكت أتون اللتان ولدتا قبل الانتقال لأخت أتون.

عاشت الأميرة الصغيرة حياة مليئة باللعب واللهو والتنزه داخل حدود العمارنة مع والديها دون قيود ودون رسميات عهود سابقة لم تسمع عنها ولم ترها!. لم تكن تدرى أن أباها الملك أخناتون جاء بثورة دينية، وأنه ترك مصر كلها وراء ظهره وحبس نفسه وحبسهم معه داخل مدينته الجديدة التى أقسم على حدودها أنه لن يغادرها فى حياته أبدا. ولم تكن الأميرة الصغيرة تدرى أن هناك كهنة آمون يحملون الحقد والكره لأبيها الملك أخناتون، ولم تكن تعلم بوجود عالم كبير خارج حدود تل العمارنة.

سنوات قليلة وفوجئت الأميرة الصغيرة بقرار أبيها الملك أخناتون بتزويجها من أخيها غير الشقيق توت عنخ أتون الذى يعيش بمنف وقد حضر إلى العمارنة خصيصا لإتمام مراسم الزواج.

ولأنهما كانا فى سنوات طفولتهما وفى عمر متقارب فقد تصاحبا ولعبا سويا إلى حين أن أدركا معنى كونهما زوجين. وما هى إلا سنوات قليلة وأعلن خبر وفاة أخناتون ومن بعده أمها الملكة نفرتيتى التى حاولت حكم مصر ولم تصمد. تغيرت الدنيا من حول الأميرة الصغيرة وزوجها وقد وجدا نفسيهما فجأة محط أنظار جماعة من كبار رجال الدولة رتبوا وخططوا لإخراج مصر من أزمتها التى تسبب فيها أبوهما الملك الراحل أخناتون.

دون مقدمات فوجئت الأميرة الصغيرة بأنها صارت ملكة على مصر إلى جوار زوجها الذى أصبح هو ملك مصر، لكن المفاجأة الكبرى لها أن اسم زوجها قد أصبح توت عنخ آمون، وأن اسمها قد أصبح عنخ إس إن آمون وعندما سألت من هو آمون هذا؟ ربما حينها بدأت تتكشف لها الحقائق، وأن يوم وفاة أبيها كتبت النهاية للحياة الوحيدة التى عرفتها تلك الملكة الصغيرة التى توالت عليها المآسى والأهوال، فقد وقعت وزوجها تحت وصاية رجال تعرف منهم فقط هذا العجوز الذى يسمى الوزير خبر خبرو أى وقائد الجيش وزوج خالتها حور محب.

حاولت وزوجها العودة إلى حياة اللهو واللعب التى عودهما أبوهما عليها بدافع الاستمتاع بخيرات وهبات إله الشمس أتون النور المضىء للكون دون حجاب أو ستار. لكن كان دائما هناك من يحاول منعهما بدعوى عدم اللياقة بالعائلة الملكية فعل هذا وفعل ذاك، عكس كل ما تربت عليه الملكة الصغيرة التى أرغموها وزوجها على حياة القيود. كانت هناك محاولتان للحمل لكن للأسف نتج عنهما جنينان ماتا قبل أن يولدا، وتم تحنيطهما، وتكفينهما انتظارا لدفنهما بمقبرة أبيهما الملك عندما يتم الانتهاء منها بوادى الملوك بالأقصر.

سنوات قليلة على عرش مصر ويموت الأخ والزوج والحبيب الشاب، ولا يتبقى للملكة التى تحمل الدم الملكى كاملا أحد تلجأ أو تستند إليه! ورغما عنها وحتى دون أخذ موافقتها وجدت استعدادات دفن زوجها تتم على عجل غير مبرر، بل إن مقبرة لا تليق بملك أعدت لدفنه ودفن جنينيه معه.

وكانت الفاجعة التى قضت على كل أمل لها فى حياة لم تعش منها سوى سنواتها القليلة وهى أنها سوف تتزوج من ذلك الكهل العجوز (أى) الطامع فى ملك مصر! وأن زواجها منه ضرورة فقط لإعطائه جزءا من شرعية الجلوس على عرش مصر، وأنها لن تكون الزوجة الملكية الأولى، بل سيتم حبسها بأحد القصور مع الحريم المحال إلى التقاعد!

بالفعل كل ما نعلمه عن الملكة عنخ إس إن أمون بعد وفاة الملك توت عنخ آمون هو أنها تزوجت من الملك العجوز أى من خلال خاتم جمع بين اسميهما معا، بعدها اختفت عنخ إس إن أمون من التاريخ، وإلى الآن لا نعلم شيئا عن المصير الذى آلت إليه الملكة المسكينة. ومن هنا فإن قصة الخطاب الذى أرسلته إلى ملك الحيثيين تطلب منه الزواج من ابنه، لها فى الحقيقة ما يفسرها ويضعها فى نطاقها الحقيقى بعيدا عن اتهامات عدم الولاء والخيانة. التاريخ للأسف ليس هو مفتاح الحقيقة فى كل الوقت بل أحيانا هو مقبرة الحقيقة.

زر الذهاب إلى الأعلى