fbpx
اخترنا لكمصر القديمة الفرعونية

تعرف علي الجريمة الأكثر غموضاً فى التاريخ الفرعوني قتل الإله” أوزوريس “

تعتبر أسطورة إيزيس وأوزوريس هي القصة الأكثر تفصيلًا وتأثيرًا ضمن الأساطير الفرعونيةوالتي تدور الحكايات المشوقة حول جريمة قتل الإله أوزوريس، فرعون مصر، وعواقب هذه الجريمة و
عقب الجريمة قام قاتل أوزوريس، وهو أخوه ست، باغتصاب العرش ، في الوقت ذاته، ضربت إيزيس الأرض سعيًا وبحثًا عن جثة زوجها حتى عثرت عليها في جبيل، ولكن ست أفلح في سرقة الجثة وقطعها إلى اثنين وأربعين جزءًا، ووزعها على أقاليم مصر.

ولم تستسلم إيزيس وتمكنت من جمع أشلاء زوجها، فحبلت وولدت إيزيس بعد ذلك ولدًا هو حورس، وأصبح أوزوريس ملكًا في مملكة الموتى. ما تبقى من القصة يتمحور حول حورس، الطفل الناتج عن اجتماع إيزيس وأوزوريس، والذي كان في بادئ الأمر مجرد طفل ضعيف تتولى أمه حمايته، حتى أصبح منافس ست على العرش.

و انتهى صراع ست مع حورس، الذي غلب عليه العنف، بانتصار حورس، مما أعاد إلى مصر النظام الذي افتقدته تحت حكم ست ، كما قام حورس بعدها بإتمام عملية إحياء أوزوريس ، تُكمِّل هذه الأسطورة، بما فيها من رموز معقدة، المفاهيم المصرية من نظام الملكية، وتتابع الملوك، والصراع بين النظام والفوضى، وعلى وجه الخصوص الموت والبعث بعد الموت. علاوة على ذلك، توضح الأسطورة السمات المميزة لكل شخصية من الآلهة الأربعة محور القصة وكيف أن كثيرًا من العبادات في الديانات المصرية القديمة يرجع أصلها إلى هذه الأسطورة.

واكتمل الشكل الأساسي لأسطورة إيزيس وأوزوريس في القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد، أو ربما قبل ذلك. ويتفرع كثير من عناصر الأسطورة عن أفكار دينية، إلا أن الصراع بين حورس وست من المحتمل أن يكون قد حدث بشكل جزئي بسبب الصراع الإقليمي بمصر في بدايات التاريخ أو في ما قبل التاريخ.

وقد حاول العلماء أن يتبينوا طبيعة الأحداث التي أثارت هذه القصة، لكن محاولاتهم لم تأتِ بنتائج قاطعة.

توجد أجزاء من الأسطورة في مجموعة متنوعة من النصوص المصرية القديمة، بدءًا من النصوص الجنائزية والتعويذات السحرية ووصولًا إلى القصص القصيرة. وبهذا تكون القصة أكثر تفصيلًا وتلاحمًا من أي أسطورة فرعونية أخرى. لكن لا يوجد مصدر مصري يعطي فكرة كاملة وافية عن الأسطورة، كما تختلف الأحداث إلى حد كبير باختلاف المصادر.

وبالرغم من أن الكتابات اليونانية والرومانية، وعلى وجه التحديد كتاب «حول العادات والأعراف» لصاحبه بلوتارخ، توفر معلومات أكثر عن الأسطورة، فهي لا تعكس المعتقدات المصرية بدقة في كل الأحيان. وبفضل هذه الكتابات، استمرت أسطورة إيزيس وأوزويس حتى بعد زوال معظم المعتقدات الفرعونية ، ولا تزال هذه الأسطورة معروفة حتى اليوم الحالي.

كانت أسطورة إيزيس وأوزوريس ذات أهمية بالغة في الديانة المصرية القديمة، كما كانت شائعة بين عامة الشعب ، ومن أسباب شيوع هذه الأسطورة استنادها إلى معنى ديني، وهو أن أي ميت يمكن أن ينعم في الآخرة.

و السبب آخر لشيوع هذه الأسطورة هو كون الشخصيات والمشاعر فيها أقرب إلى حياة الناس الواقعية من أي أسطورة مصرية أخرى، مما يجعل القصة تروق للذوق الجماهيري العام بشكل أكبر. وكما يقول عالم المصريات ج.جوين جريفثس في حديثه عن العلاقة بين إيزيس وأوزوريس وحورس، فالأسطورة تنقل على وجه الخصوص «إحساسا قويا بالولاء والتفاني داخل العائلة».

وبهذه الجاذبية الكبيرة، تظهر هذه الأسطورة أكثر من أي أسطورة أخرى في النصوص القديمة، وبشكل استثنائي في مجموعة واسعة من ألوان الأدب المصري القديم. وهذه المصادر توفر أيضا كمية غير عادية من التفاصيل.

و تتسم الأساطير المصرية القديمة بالتفكك والغموض، ذلك أن الصور الجمالية الدينية داخل الأساطير كانت أهميتها أكبر من أن تكون الرواية متماسكة ، وإلى حد ما تبدو أسطورة إيزيس وأوزوريس متفككة وغنية بالكثير من الرموز. لكن بمقارنتها بالأساطير الأخرى فهي أكثر شبها بالروايات المتماسكة.

وأتى ذكر الأسطورة لأول مرة في نصوص الأهرام التي تعتبر أولى النصوص الجنائزية المصرية القديمة التي ظهرت على جدران غرف الدفن بالأهرامات بنهاية الأسرة الخامسة خلال القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد.

وتحتوى هذه النصوص، المكونة من تعويذات أو «أقوال» متفاوتة، على أفكار من المفترض أن تاريخها يرجع إلى عهود سابقة. تختص هذه النصوص بذكر الحياة الآخرة للملوك المدفونين بالأهرامات، لذا فهي فغالبا ما تشير إلى أسطورة إيزيس وأوزوريس المتعمقة في نظام الملكية والحياة الآخرة.

وتظهر كثير من عناصر القصة، مثل موت وإحياء أوزوريس والفتنة الناشبة بين حورس وست، في الأقوال الموجودة في نصوص الأهرام.

وفي بداية القصة، يحكم أوزوريس مصر حيث يرث الملك من أجداده الذين يمتد نسبهم إلى خالق العالم، الإله رع أو أتوم. إيزيس هي زوجة أوزوريس، وهي، بالإضافة إلى أوزوريس وقاتله ست، واحدة من أبناء إله الأرض جب وإلهة السماء نوت. يوجد القليل من المعلومات عن حكم أوزوريس داخل النصوص المصرية؛ فالتركيز فيها على موته والأحداث التابعة لموته. يرتبط ذكر أوزوريس بالقوة المانحة للحياة، والنظام الملكي القويم، وحكم ماعت الذي يقوم على النظام المثالي الطبيعي الذي ظل الحفاظ عليه هدفا أساسيا في الثقافة المصرية القديمة. وعلى النقيض، يمثل ست العنف والفوضى. وبناء عليه، يرمز قتل أوزوريس إلى الصراع بين النظام والفوضى، والخلل في الحياة الناتج عن الموت.

تحكي بعض نسخ الأسطورة عن دافع ست لقتل أوزوريس. فطبقا لتعويذة سحرية في نصوص الأهرام، ينتقم ست من أوزوريس لأن أوزوريس قام بركله، إلا أنه في نص من نصوص العصر المتأخر، تكمن مظلمة ست في أن أوزوريس أقام علاقة جنسية مع نيفتيس زوجة ست والطفلة الرابعة لجب ونوت.

أما عن جريمة القتل ذاتها، فقد تم التلميح إليها دون الوصف التوضيحي قط. وقد آمن المصريون بقوة الكتابة في التأثير على الواقع فتجنبوا الكتابة المباشرة في الأحداث ذات الجانب الغاية في السلبية مثل وفاة أوزوريس. وكانوا أحيانا ينكرون موت أوزوريس بأكمله، على الرغم من أن التراث المتراكم عنه يجعل من جريمة قتله حقيقة واضحة.

وفي بعض الأحيان ترجح النصوص أن ست تجسد في هيئة حيوان متوحش يشبه التمساح أو الثور، لقتل أوزوريس. كما تشير قصص أخرى إلى أن جثة أوزوريس تم إلقاؤها في الماء أو أنه مات غرقا، وهذا ما يرجع إليه اعتقاد المصريين أن من غرقوا في نهر النيل من القديسين.

وحتى هوية الضحية تختلف باختلاف النصوص، فأحيانا يكون المقتول هو الإله هاروريس، الصورة الأكبر لحورس، الذي قتله ست وانتقمت له صورة أخرى لحورس، هي ابن هاروريس من إيزيس.

تعقب وفاة أوزوريس إما فترة خلو عرش أو فترة يغتصب فيها ست الملك. في غضون ذلك، تبحث إيزيس عن جسد زوجها بمساعدة نيفتيس. أثناء البحث عن أوزوريس أو رثائه، غالبا ما يرمز إلى الإلهتين بالصقور أو الحدءات، ربما لأن الحداءات تسافر مسافات بعيدة بحثا عن الجيفة، أو لأن المصريين دائما ما كانوا يربطون بين صيحات الحزن التي تصدرها الطيور وبكاء الإنسان حزنا، أو بسبب صلة الإلهة أوزوريس بحورس الذي يرمز إليه بالصقر.

وفي الدولة الحديثة، عندما ارتبط موت وإحياء أوزوريس بالعيد السنوي لوفاء النيل الذي جعل من مصر أرضا خصبة، شاع أن مياه النيل تعادل دموع رثاء إيزيس، أو السوائل في جسم أوزوريس. وعلى ذلك، أصبح أوزوريس يمثل القوة الإلهية المانحة للحياة التي كانت حاضرة في مياه النهر وفي النباتات التي نمت بعد الفيضان. وجدت الإلهة جسد أوزوريس وأعادته إلى الحياة، غالبا بمساعدة الآلهة الأخرى.

ومنها: تحوت، الإله ذو القوى العظيمة على السحر والشفاء، وأنوبيس، إله التحنيط ومراسم الجنائز. ساهمت جهود هذه الآلهة في تأسيس الميثولوجيا المصرية عن التحنيط الذي سعى عبر تحنيط المومياوات إلى حماية وحفظ الجثث من التعفن بعد الموت. غالبا ما يمتد هذا الجزء إلى حلقات يحاول فيها ست أو أتباعه تدمير الجثة، في حين يتوجب على إيزيس وحلفائها حمايتها.

وبمجرد أن تجمع إيزيس أشلاء أوزوريس وتعيده جسدا كاملا، تقوم، وهي لا تزال في صورة الطائر، بنفخ الروح في جسده بأجنحتها، ثم تجامعه. وعلى ما يبدو، فإحياء أوزوريس كان مؤقتا، وبعد هذه النقطة من القصة لم يذكر أوزوريس إلا بصفته حاكما لدوات، مملكة الموتى البعيدة الغامضة.

وبالرغم من ذلك، فباتصال أوزوريس قصير المدة بإيزيس، استطاع أن يجعلها حبلى بابنه ووريثه الشرعي حورس. ومع أن أوزوريس نفسه يعيش في دوات فحسب، فهو وحقه في الملك سوف يولد من جديد، بشكل ما، في ابنه. تختلف القصة المتلاحمة لبلوتارخ التي تخص هذا الجزء من الأسطورة بشكل أساسي عن تلك الموجودة في المصادرة المصرية المعروفة في نواح عديدة.

تآمر ست، الذي أشار إليه بلوتارخ بالاسم الإغريقي «تايفوس»، مع ثلاث وسبعين آخرين ضد أوزوريس. أمر ست بصنع صندوق مفصل بحيث يناسب مقاسات أوزوريس، ثم أعلن في مائدة أعدها أنه سيعطي الصندوق هدية لمن يدخل الصندوق ويتناسب مع مقاسه. قام الضيوف، واحدا تلو الآخر، بالنوم في الكفن، لكن أحدا لم يناسب الكفن مقاسه سوى أوزوريس. وعندما رقد أوزوريس في الصندوق، أغلق ست والمتواطئين معه غطاء الصندوق على أوزوريس وأحكموا غلقه، ورموه في النيل. طفا الصندوق، وبداخله جثة أوزوريس، في البحر ووصل إلى مدينة جبيل حيث نمت شجرة حوله.

وأمر ملك جبيل بقطع الشجرة لعمل دعامة للقصر، وذلك ولا يزال الصندوق بداخل الشجرة. وحينئذ توجب على إيزيس أن تزيل الصندوق عن الشجرة حتى تستعيد جسد زوجها. بعد أن أخذت الصندوق، تركت الشجرة في جبيل حيث أصبحت موضعا للعبادة لأهل البلدة. وتعطي هذه الحلقة من الأسطورة، وهي غير مأخوذة من المصادر المصرية، تفسيرا لسبب وجود جماعات تابعة لإيزيس وأوزوريس في جبيل في عصر بلوتارخ وربما يعود تاريخ هذه الجماعات إلى الدولة الحديثة.

يوضح بلوتارخ أن ست سرق الجثة وقطع أوصالها، فقط بعدما قامت إيزيس بأعادته إلى الحياة. بعد ذلك، وجدت إيزيس كل أشلاء جثة زوجها ودفنتها، ما عدا عضوه التناسلي الذي أكله السمك في النهر، فاضطرت إيزيس إلى إعادة تشكيله بواسطة التعويذات السحرية. حسب كلام بلوتارخ، هذا هو السبب في تحريم أكل السمك عند قدماء المصريين. لكن في القصص المصرية عن الأسطورة، تجد إيزيس العضو التناسلي سليما، والتشابه الوحيد مع قصة بلوتارخ هو في «قصة الأخوين».

زر الذهاب إلى الأعلى