fbpx
الرأي

حكايات من زمن “كورونا”

بقلم الكاتب الصحفي
صبري الديب

منذ الكشف عن أولى حالات الإصابة بفيروس “كورونا” في مدينة “ووهان الصينية” قبل نحو 6 أشهر، والقصص والحكايات عن الفيروسات التاجية، وعلى رأسها كوفيد – 19 اللعين لا تنتهي، لدرجة أن حجم الأكشن والمغامرات والدراما في بعض منها، فاق أغلب المسلسلات والبرامج التلفزيونية “التافهة” التي أصابت المشاهد بالغثيان طوال أيام رمضان.
ولعل أبرز تلك المغامرات، ما قام به فريق من العلماء برئاسة عالم الفيروسات الشهير “بيتر داسزاك” والذي بدأ في عام 2013 مغامرة لاقتحام كهوف “الخفافيش” التي تعد المتهم والمصدر الأول للفيروسات التاجية، وخاصة “كورونا” حول العالم، حيث شملت المغامرة، اقتحام كهوفا في 20 دولة، بدأت بـ “كهوف الخفافيش” بمقاطعة “يونان” الجبلية جنوب غرب الصين.
ولأن المهمة كانت خطيرة، وتهدف في المقام الأول الكشف عن الفيروسات التاجية المميتة التي تحملها الخفافيش، مثل التي ينتمي إليها كوفيد – 19 اللعين، فقد حرص فريق العلماء على اتخاذ أقصى درجات الأمان، وارتداء بدلات وأقنعة وقفازات سميكة وواقية من الفيروسات والغازات والمواد الخطرة، خشية أن تكون الخفافيش داخل تلك الكهوف، حاملة لفيروسات خطيرة أو غير معروفة للبشر.
وعلى الرغم من أن المهمة كانت غير محسوبة العواقب، وتحمل احتمالات بإصابة أي منهم بفيروس غامض، إلا أن ذلك لم يكن يشغل أي من أفراد الفريق، قدر انشغالهم بكيفية إدخال “الخفافيش” في حالة من النوم، ليتمكنوا من الدخول للكهوف ومعهم مصابيح شديدة الإضاءة، والحصول على عينات دم، ومسحات من فم الخفافيش، وبعضا من برازها.
وبعد تفكير طول، اهتدى فريق البحث، إلى إطلاق مخدر خفيف ومعتدل إلى داخل الكهوف، جعل كل الخفافيش تخلد في نوم عميق، ومكنهم من الدخول إلى الكهوف، وإتمام مهمتهم على أكمل وجه.
إلا المفاجأة “المخفية” أنه بعد 7 سنوات من البحث والتحليل لنحو 15 ألف عينة من دماء ومسحات وبراز “الخفافيش” أعلن فريق “داسزاك” أنه عثر على نحو 500 فيروس تاجي جديد لم يعرفها العالم من قبل، داخل العينات التي تم جمعها، من بينها فيروس يحتمل أن يكون “كورونا” تم العثور عليه بداخل أحد “كهوف الخفافيش” بالصين عام 2013.
وهو ما يرجح للأسف، إمكانية ظهور فيروسات تاجية، تفوق أو تعادل في شراستها “كورونا” في المستقبل.
المذهل في الأمر، أن نتائج تحليل الدم التي أجراها ذات الفريق، لأشخاص يعيشون في مقاطعة “ووهان الصينية” بالقرب من “كهوف الخفافيش” أكدت أن نحو 3٪ من سكان المنطقة، لديهم أجسام مضادة للفيروسات الموجودة في “الخفافيش” وهو ما يعني أن هؤلاء الأشخاص قد تعرضوا بالفعل للإصابة بتلك الفيروسات وتعافوا منها.
غير أن علماء الفيروسات، وعلى رأسهم السنغافوري “وانج لينفا” أكدوا أن كل الفيروسات الموجودة في “الخفافيش” من المستحيل أن تصل إلى الإنسان سوى “عبر وسيط” من الحيوانات أو الزواحف، ليتمكن الفيروس من تغيير طبيعته والدخول إلى الخلايا البشرية.
وهو ما يفسر ما وصل إليه فريق “داسزاك” من نتائج الكشف عن الخلايا المناعية الموجودة في دماء سكان جنوب شرق وغرب الصين، حيث يرتبط سكان تلك المناطق بالحياة البرية بشكل مباشر من أجل الصيد، وهي ذات الأماكن التي تحوي الكهوف الأهم التي تعج بـ “فيروسات الخفافيش”.
وقد أكدت دراسة نشرتها مجلة “Journal of Medical Virology” منذ أيام، ما انتهى إليه “وانج لينفا” من ضرورة وجود وسيط من الحيوانات لتتمكن أي من الفيروسات التاجية من الانتقال للإنسان، حيث أكدت الدراسة، أن حيوانا ما بيع في سوق بمدينة “ووهان الصينية” التي بدأت فيها بؤرة “كورونا” حيث شكل ذلك الحيوان الخطوة الوسطية للفيروس التاجي بين الخفافيش والبشر.
وهي ذات النتائج التي انتهى إليها علماء صينيون، بعد دراسات أكدت أن فيروس كوفيد – 19، تم تخليقه من خلال تغير جيني حدث بين فيروسين بداخل “جسم أفعى” بعد الكشف عن أن أقرب أسلاف الفيروس جاء من “الخفافيش والثعابين” وأن هذه الفصيلة الجديدة من الفيروسات التاجية شكلت هجينا حصل على بروتين سطحي جديد بداخل “جسم الأفاعي” مما منحه القدرة على إصابة الخلايا البشرية.
وقد عزز النتائج السابقة، ما انتهى إليه مجموعة من العلماء الصينيين برئاسة أستاذ الهندسة الحيوية بجامعة ووهان “كسينج يونج لي” والذي افترض أن “الخفافيش” أصابت نوعين من “الأفاعي”..
هما “الصينية الجنوبية متعددة الشرائط، والكوبرا الصينية”، حيث تم بداخلهما تبادل فيروسين نتج عنهما كوفيد – 19 منذ نحو عامين، وانتقل بدوره إلى البشر في ديسمبر الماضي، حيث كانت تلك الأنواع من الأفاعي تعرض للبيع بداخل سوق الحيوانات الحية في مدينة “ووهان”.
بالله عليكم، أليست حكايات “كورونا” أخف على القلب من تفاهة “خلي بالك من فيفي، واغلب السقا، ورجالة البيت، وسكر زيادة، وعمر ودياب” وغيرها من البرامج والمسلسلات التي أصابتنا بـ”الملل” طوال أيام وليالي رمضان.

زر الذهاب إلى الأعلى