fbpx
أهم الأخبارتقارير وملفات

شاهد.. نتائج الحرب في سوريا «قاصرة تربي أطفال»

بينما كان أقرانه يقضون الوقت في الإعداد لامتحانات الثانوية العامة، كان عبد الرحمن ينتقل دفعة واحدة من طفل إلى أب، ويستقبل مهامه الجديدة بصدر رحب، وبقول “الحمد لله”.

دخل عبد الرحمن جزماتي، ابن مدينة حلب، الحياة الزوجية حين لم يكن قد أتم 18 عامًا من عمره، واليوم، في عمر العشرين، يعيش مع زوجته وطفلته ذات العامين في مدينة إدلب، متصالحًا مع “الأسباب المنطقية” التي جعلته مسؤولًا، كغيره من أصدقائه، عن عائلة في سن مبكرة.

“بسبب قيام الثورة السورية لم يعد هناك خدمة إلزامية، وهذا ما أتاح لي إتمام الزواج”، يقول عبد الرحمن لعنب بلدي، لكن مبرراته لا تتوقف عند ”الفرصة التي وفرتها الثورة”، بل تمتد من وجهة نظره إلى أسباب أخرى مرتبطة بالحرب، كتنازل الأهل عن جزء من الشروط المادية لتزويج بناتهم، ووفرة المنازل مع تزايد الهجرات.

تلك الأسباب مجتمعة غالبًا ما تتوفر في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، كإدلب التي يعيش جزماتي فيها، والغوطة الشرقية.

«ظاهرة» في مناطق المعارضة

في حين أكد عبد الرحمن أن عددًا لا بأس به من أصدقائه تزوجوا تحت سنّ الثامنة عشرة، إلا أن المنظمات المعنية بالشؤون الاجتماعية في سوريا لم تعطِ الأمر حقه من الرصد، وبالتالي لم توفّر إحصائيات مفصلة عن حالات زواج الفتيان القصّر.

كما يصعب وضع تصور دقيق عن حجم الظاهرة نتيجة غياب مراكز توثيق المواليد في الكثير من القرى والبلدات الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، إضافة إلى عزوف الكثير من المتزوجين تحت سن 20 عامًا عن تسجيل عقود زواجهم في مراكز النفوس، والاكتفاء بالعقد الشرعي.

رغم ذلك تؤكد دائرة النفوس في الغوطة الشرقية أن سجلاتها تشير إلى ارتفاع نسب حالات زواج الفتيان القصّر من 10% قبل الثورة إلى  30% بعدها.

أما القاضي والمحاضر بكلية الشريعة في إدلب، الدكتور ياسين علّوش، فاعتبر في لقاء مع عنب بلدي أن نسبة زواج القصّر ”شهدت زيادة طفيفة بسبب الظروف العامة التي تمر بها البلاد”، لافتًا إلى أن العلماء لا يرون مشكلة في الأمر، بل يحضون الشباب والفتيات على الزواج، “إذا خُشيت الفتنة عليهم وملكوا شرط الباءة”.

على الجهة الأخرى من سوريا، وفي مناطق سيطرة النظام، يبدو الوضع مختلفًا فيما يخصّ زواج القصّر، بالنظر إلى تراجع أعداد الشبان نتيجة فرض الخدمة الإلزامية والاحتياطية من جهة، وتزايد أعداد المهاجرين من الذكور بالمقارنة مع الإناث.

رجال صغار

“أعمل في وظيفة لوجستية ضمن إحدى المنظمات، وأموري المادية جيدة”، يتحدث عبد الرحمن جزماتي لعنب بلدي عن وضعه الحالي بنبرة ثقة تنبع من قدرته على إعالة أسرته الصغيرة، وتوفير شروط الحياة لها.

لكن هذه القدرة المادية لا ترتكز على أساس صلب، كمهنة متوارثة أو تجارة ثابتة أو شهادة علمية تمنحه مركزًا وظيفيًا، بل على ظرف المنظمة التي يعمل بها، وهو ما يجعل الاستمرار في إعالة هذه الأسرة أمرًا غير محسوم.

مع تراجع فرص التعليم، وتوفر فرص عمل غير مرتبطة به في مناطق سيطرة المعارضة، أصبح أغلب القاصرين قادرين على تحصيل دخل مادي جيد نسبيًا، ناهيك عن وجود قسم كبير من القاصرين ضمن صفوف مقاتلي الفصائل، وحصولهم على رواتب تتراوح بين 100 و200 دولار.

وفق ذلك، فإن إحساس الشاب، البالغ من العمر 16 عامًا على سبيل المثال، بطفولته يبدو ضربًا من المستحيل، وهنا قد تبرز حاجته للزواج، وتتحول إلى حقيقة، مع وجود ظروف اجتماعيّة مناسبة.

يقول عبد الرحمن إنه بكر والديه اللذين شجعاه على الزواج، ليصبحا في غضون أقل من عام جدّين صغيرين نسبيًا لطفلة.

أما فيما يخصّ المسكن فلم يجد عبد الرحمن صعوبة في توفير مكان يقطن فيه مع زوجته وطفلته نظرًا “لوفرة المنازل الفارغة”.

طفلٌ وطفلة ينجبان أطفالًا

بالحديث عن زواج الشبان القصّر، فلا بد من الإشارة إلى أنّ زوجاتهم قاصرات بالضرورة، ما يعني أن عائلات سورية كاملة تتألف من أطفال فقط، على اعتبار أن سن الطفولة وفق المعايير الدولية يمتد إلى عمر 18 عامًا.

من الناحية الفيزيولوجية، فإنه بمجرد وصول الفتى أو الفتاة سن البلوغ يمكن أن يكونوا مؤهلين للإنجاب، لكن هذا الإنجاب قد تكون له تداعيات سلبية على صحة الأم، فضلًا عن التداعيات النفسية التي يمكن أن تنعكس على الوالدين.

وهو ما يؤكده الطبيب النفسي الدكتور عمار بيطار، الذي يلخّص الحالة بأنها “طفل يربي طفلًا”.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى