fbpx
الرأي

محمد خالد الأزعر يكتب : عن الإسرائيلي الواهم … خواطر وتأمّلات أولية

الشائع أن الزمن عنصر محايد؛ لا يعمل لصالح أحد بعينه وينحاز إلى من يحسنون استغلاله وتوظيفه في تحقيق مكتسبات وإنجازات، أثناء معالجة قضاياهم الملحة وأولوياتهم. وجهة النظر السائدة أن التعامل مع الزمن على هذا النحو قاعدة معرفية إنسانية عامة؛ عابرة للسياقات الثقافية وغير قابلة للنقد والتشكيك. بيد أنه ليس من قبيل السفسطة الدفع بصعوبة إجراء حسابات دقيقة للمديات الزمنية الكفيلة بالاطمئنان إلى أن طرفاً ما في قضية ما، قد أحسن أم أساء استغلال هذا العنصر. بمعنى أن ما يظهر في أجل معين على أنه تجويد وفطنة في التعامل مع الزمن بين يدي قضية معينة، قد يتضح في أجل لاحق أنه غير ذلك على طول الخط.
لا ينبغي التعجل في الحكم على حصافة استغلال الزمن، كما يفعل راهناً بعض الصهاينة؛ أولئك الذين يتصورون أن الدنيا أشرقت في وجه إسرائيل، وأن الزمن يعمل لصالحها، معتمدين على قراءة عدد من الوقائع؛ منها بلا حصر: جرأة قرار واشنطن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وردود الأفعال المكرورة والمملة على هذه الخطوة، ووقوع غزة وحماس في حِجر الضفة وفتح، بدلاً من توقعات البعض بحدوث العكس، وميل بعض العرب إلى التطبيع مع إسرائيل من دون اشتراط حل القضية الفلسطينية أولاً. وأهم من ذلك كله، كما يقول آرييه الداد في صحيفة «معاريف» (26/ 12 /2017) هو « تقلص عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وبقية المناطق، بسبب نزوعهم للهجرة إلى أوروبا والأميركتين الشمالية والجنوبية، بحثاً عن حياة أفضل، بما يخالف دعاوى أونروا والسلطة الفلسطينية واليسار الإسرائيلي، بالخوف من تحول اليهود إلى أقلية ونشوء دولة ثنائية القومية، إذا ما تجرأت إسرائيل على ضم الضف».
تقديرنا أن مثل هذه المقاربة تعتمد على تفكير مبتسَر ورغبوي أمنياتي، بأكثر من استنادها إلى نظرة معمقة طويلة الأجل؛ بل إنها حتى لا تأخذ بعين الاعتبار بعض خبرات المشروع الصهيوني ذاته. فمن ناحية، كيف يستقيم الاعتقاد بأن الزمن يخدم إسرائيل في ما يخص تدويل مفهوم تهويد القدس، في الوقت الذي تأكدت عزلة السياسيتين الأميركية والإسرائيلية تجاه المدينة، وختمت بميسم التصويت ضدهما داخل أروقة الأمم المتحدة وخارجها؟ وكيف يعتبر تزايد التأييد الدولي لقيام الدولة الفلسطينية، مع مرور الزمن، أمراً غير ذي أهمية؟ ألم يكن حشد مثل هذا التأييد عاملاً حاسماً في نشوء إسرائيل وتكريس وجودها، وهو ما جرى عبر سياسات القوى والتنظيمات الفاعلة دولياً؟ هل نسى الصهاينة أن مؤتمرهم الأول عام 1897، أقرّ بأن إقامة الكيان السياسي لليهود لا بد أن تعتمد على «القانون العام»؟
ومن ناحية ثانية، ليس ثمة دلائل قاطعة على أن العرب قد نبذوا فلسطين وقضيتها ظهرياً، أو أن هذا النبذ، المراد صهيونياً، سيمضي قدماً عبر الزمن بلا ردة ولا رجعة. وتشار هنا إلى أن فشل التسوية على المسار الفلسطيني، أدى إلى انزواء مسار المفاوضات متعددة الأطراف، التي لم تكن تعني غير التطبيع الذي يحاول البعض تسويقه اليوم. ومن ناحية ثالثة، من قال إن هجرة بعض اللاجئين الفلسطينيين إلى عوالم الآخرين، تعني هجران قضيتهم ومحوها من ذاكرتهم الجمعية؟ وفي السياق ذاته، ما الذي يحمل أصحاب هذه الفتوى على تجاهل نزوع زهاء 40 في المئة من الإسرائيليين في الشريحة العمرية بين العشرين والأربعين، إلى مغادرة الدولة الصهيونية بلا رجعة، إذا أتيحت لهم فرص واعدة بحياة اقتصادية أفضل؟ ثم لماذا يفترض الصهاينة ضعف الذاكرة الوطنية للفلسطينيين، أقله قياساً بالزعم الصهيوني بأن اليهود لم ينسوا بدعة «أرض الميعاد»؛ على مدار ثلاثة آلاف عام في الشتات؟ ألم يأن للصهاينة والإسرائيليين أن يعترفوا بأن أبناء اللاجئين وأحفادهم، داخل فلسطين التاريخية وخارجها، هم الذين يتصدرون مشهد المقاومة اليوم؟ إن تبصر هذه الحقيقة وحدها، يفيد كثيراً في التعرف على الطرف الذي يعمل الزمن لصالحه.
نقلا عن صحيفة الحياة

زر الذهاب إلى الأعلى