النفط وحركات التجارة يُشعلان حرب المضايق
"الضرب تحت الحزام" يمكنها أن تصيد أكثر من عصفور بصاروخ واحد
“قد تبدأ أنت الحرب لكن نحن من سينهيها”.
هكذا تحدث قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني مهاجما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
“سليماني” أردف قائلا: إن “البحر الأحمر لم يعد آمنا بوجود القوات الأمريكية”. والحقيقة التي لم يذكرها “سليماني” أن مضيق هرمز الذي تسيطر عليه إيران أيضاً لم يعد آمنا أمام التجارة الغربية والعربية على حد سواء، وبالتالي يمكن القول إن حرب المضايق قد بدأت فعليا، فلم يكن استهداف حركة “أنصار الله” الحوثية الموالية لإيران في اليمن ناقلتي نفط سعوديتين قبالة السواحل الغربية لليمن نهاية الأسبوع الماضي مجرد صدفة، أو حدثاً عابراً، بل هو تطور خطير لسيناريوهات الصراع في المنطقة وعليها.
وخلال السنوات الماضية، تجنب اللاعبون الأساسيون في الصراع بالمنطقة الدخول في مرحلة المواجهات المباشرة، وفضل الجميع أسلوب الحرب بالوكالة، وكان الأمر يدور تارة على الأراضي السورية، ثم اليمنية، لكن يبدو أن تلك الحروب عن بعد لم تعد كافية ليقتسم الفاعلون الإقليميون والدوليون كعكة المصالح، فبدأوا في اختبار لعبة عض الأصابع بصورة أكثر خطورة، ربما تشعل حربا شاملة في المنطقة إذا لم تفلح تلك الأطراف في خفض وتيرة التوتر والعودة إلى أسلوب اللكمات محسوبة التأثير بعيدا عن الضربات القاضية.
ولا يمكن فصل التصعيد الأخير في مضيق باب المندب عن تطورات إقليمية متسارعة على الساحتين السورية واليمنية، ففي مقابل تفوق ملموس لمحور روسيا – سوريا- إيران خلال الآونة الأخيرة على رقعة الصراع السورية، كانت الانتصارات المتوالية للتحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن على الحوثيين حلفاء طهران كافية لإفساد فرحة أنصار “المرشد الأعلى” بالانتصارات الإيرانية في سورية، فلجأ الإيرانيون إلى “ضربة تحت الحزام” يمكنها أن تصيد أكثر من عصفور بصاروخ واحد، فهي من جانب تهدد المصالح السعودية في البحر الأحمر، ومضيق باب المندب، الذي تمر عبره 7 % من الملاحة العالمية، من خلال نحو 25 ألف سفينة تجوب المضيق سنويا، و4.8 مليون برميل نفط يوميا معظمها سعودية، وفقا لإحصائية إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
كما أن الضربة الإيرانية باليد الحوثية، ستطال كذلك المصالح الأمريكية، لذلك يمكن فهم رسالة سليماني بوضوح، فهي موجهة مباشرة لإدارة ترامب، وفهم فحواها لا يحتاج إلى جهد، فالرسالة الإيرانية وصلت إلى البيت الأبيض، وتقول إن يد إيران صارت أطول من أن تقطعها واشنطن، أو تسعى لمحاصرتها داخل حدودها. والسؤال الذي يفرض نفسه: أين مصر من كل ما يجري؟ والإجابة هي أن مصر تجد نفسها في قلب هذا الصراع، وفي عين العاصفة التي طالما حرصت على الابتعاد عنها، من خلال تجنب الانجرار لمغامرة غير محسوبة العواقب في اليمن، رغم كل الضغوط التي واجهتها القاهرة للمساهمة بصورة أكبر وأوسع في التحالف العربي باليمن، لكن القيادة المصرية التي أجادت قراءة دروس التاريخ، تعاملت مع الأمر بمنظور المصلحة القومية المصرية فقط، فتواجدت في مضيق باب المندب بوابة عبور حركة التجارة إلى قناة السويس.
وبالتأكيد أن ما جرى سيكون تحديا حقيقيا للمخطط الاستراتيجي المصري الراغب في عدم التورط في مستنقع الحرب في اليمن، لكنه أيضا لا يمكنه أن يتغافل عن ذلك التطور الخطير الذي يطل من الشواطئ اليمنية، والذي يهدد بنقل الحريق إلى أطراف الثوب المصري الممتد في عمق باب المندب لحماية أمن القناة.
وربما تشهد الأيام المقبلة تطورات سريعة، وغير متوقعة للأحداث، ليس فقط على أرض اليمن، الذي لم يعد سعيدا بأي حال، بل أيضا في مناطق أخرى على رقعة الشطرنج الشرق أوسطية، التي بات مصيرها محكوما بأيادٍ لا تعرف العربية!.