استقطاب الجامعات العالمية… هل نحن حقا مستعدون؟

تقرير – محمد عيد:
جاءت فعاليات المنتدى العالمى للتعليم العالى والبحث العلمى بين الحاضر والمستقبل الذى نظمته وزارة التعليم العالى والبحث العلمى خلال الفترة من 4 إلى 6 أبريل الجارى بالعاصمة الإدارية الجديدة برعاية وحضور رئيس الجمهورية، لتفتح صفحة مهمة من النقاش حول مستقبل مصر، والدور الذي يمكن أن يلعبه البحث العلمي في بناء ذلك المستقبل.
وسبق للرئيس عبد الفتاح السيسي أن أعلن مشروعا طموحا لبناء “توأمة” مع أفضل 50 جامعة بالعالم، وبالفعل يتم حاليا إنشاء 6 جامعات بالعاصمة الإدارية الجديدة خلال الفترة المقبلة، تتنوع بين المجرية والكندية والسويدية والفرنسية، كما يتم تنفيذ مجموعة إضافية من الجامعات الدولية فى العاصمة الإدارية ومدينة العلمين الجديدة.
ومن المقرر أن يتم إنشاء مدينة للعلوم والابتكار لتضم مراكز بحثية متطورة في البيوتكنولوجي والطاقة المتجددة والذرية والزراعة واستدامة الغذاء والمياه والهواء وتدوير النفايات وتطبيقات الاتصالات والتكنولوجيا المتطورة والذكاء الاصطناعي ورفع كفاءة المشروعات الصناعية والخلايا الجذعية والجينات.
وقد يكون ذلك الطموح لتجاوز التعليم العالي المصري حدود المحلية مدفوعا بزيادة عدد الجامعات المصرية المدرجة فى تصنيف التايمز “Times Higher Education” البريطانى ليصل إلى ١٩ جامعة مصرية بين أفضل 1200 جامعة شملها التصنيف من بين خمسة وعشرين ألفا على مستوى العالم مقارنة بالأعوام الماضية، إضافة إلى رسوخ تجربة الجامعات الخاصة في مصر، ومعظمها مرتبط بشراكات تعليمية مع جامعات أجنبية، فمنذ دخلت أول جامعة أجنبية إلى مصر متمثلة فى الجامعة الأمريكية عام 1919، ثم الجامعة الألمانية والفرنسية عام 2002، والجامعة البريطانية عام 2005، باتت مصر تمتلك اليوم أكثر من 10 جامعات أجنبية، تستقطب عشرات الآلاف من الطلاب، كثير منهم يسعى إلى تجاوز المعوقات التي تعانيها الجامعات الحكومية.
والحقيقة أن الخطة الطموح من جانب الحكومة لتوطين الجامعات الأجنبية وتعزيز البحث العلمي وفق معايير دولية، لا يبدو أنه يتواكب مع السياسات التي تتبعها نفس الحكومة، فقد تراجعت معدلات الإنفاق الرسمي على التعليم العالي والبحث العلمي، وبلغ إجمالي موازنة العام المالي الأخير المقسمة بين التعليم العالي والجامعات 38,5 مليار جنيه، فيما بلغت موازنة المعاهد والمراكز البحثية 3 مليارات جنيه، ورغم أن المبلغ قد زاد على العام المالي السابق، إلا أنه بحساب معدلات التضخم وقيمة العملة المحلية نجد أن تلك القيمة قد تراجعت، وهو ما أدى إلى انخفاض موازنة التعليم العالى من الناتج المحلى الإجمالى من١٫١٪ عام ٢٠١٥، إلى ٠٫٨٪ فى العام المالى الحالى، بينما كانت فى العام الماضى٠٫٩٪، رغم أن الدستور ينص على أن تكون النسبة المخصصة للجامعات ٢٪.
وتتعمق المشكلة عندما نأتي إلى تفاصيل توزيع ميزانية التعليم العالى، فندرك أنها ليست مخصصة للجامعات بالفعل فهناك ما يقرب من ثلث ميزانية التعليم العالي (١١٫٣ مليار جنيه) مخصصة للمستشفيات الجامعية، كما أن٧٠-٧٥٪ وتصل فى أوقات إلى٨٠٪ تخصص للأجور، فمثلا ميزانية جامعة عين شمس تبلغ مليارا و٨٥٠ مليون جنيه سنويا، منها مليار و٤٠٠ مليون مرتبات وأجور.
المسألة إذن تقتضي إذا أردنا أن يكون التعليم والبحث العلمي مشروعا قوميا حقيقيا، كما أعلن الرئيس في خطاب توليه الفترة الرئاسية الثانية، أن تترجم السياسات الحكومية ذلك التوجه، وأن تسعى الدولة للبحث عن موارد غير تقليدية لتمويل البحث العلمي من خلال التعاون مع القطاع الصناعي والتجاري، بحيث تتحول الجامعات إلى بيوت خبرة واقعية وليست مجرد مؤسسات تعليمية تمنح درجات علمية مكانها أرفف المكتبات أو مخازن إدارات الدراسات العليا.
وإذا كانت الدولة تستهدف أن تتحول إلى وجهة جاذبة للجامعات العالمية، فعليها أن تهيئ سوق العمل لاستقبال مخرجات تلك الجامعات، وأيضا أن تعد الجامعات الحكومية لمنافسة لا تبدو وفق معطيات الواقع الراهن عادلة بأي شكل من الأشكال، وحتى لا يكون التعليم الراقي لمن يدفع فقط.