fbpx
تقارير وملفات

من هم الأكراد.. ولماذا يحاربهم الأتراك فى عفرين

فرضت العملية العسكرية التي يقوم بها الجيش التركي في جبل الكُرد، ببلدة عفرين السورية، التساؤل حول أصل الأكراد، وتاريخ وجودهم في تلك المنطقة، وعلاقة العداء الدائم الذي يجمعهم بأنقرة؟.

استوطن الأكراد منطقة شاسعة من الشرق الأوسط وسهول آسيا الصغرى وإيران، ولا أدل على هذا من وجودهم في 5 دول متجاورة، هي: العراق، وسوريا، وتركيا، وإيران، وأرمينيا، مما دفع القوميون الأكراد إلى تسمية هذه الأرض مجتمعة باسم أرض “كردستان الكبرى”.

ويرجع المؤرخ الكردي محمد أمين زكى في كتابه “خلاصة تاريخ الكرد وكردستان” أصل الأكراد إلى طبقتين، الأولى كانت تقطن كردستان منذ فجر التاريخ، وعُرفت باسم شعوب جبال “زاجروس”، وتكونت من اتحاد بعض العشائر القبلية، مثل عشائر”لولو، وكوتي، وجودي، وكاساي، وحوري، ونايري”، وهي كما يراها الأصل القديم جداً للشعب الكردي، أما الطبقة الثانية فهي طبقة الشعوب الهندو-أوروبية التي هاجرت إلى كردستان في القرن العاشر قبل الميلاد، واستوطنت كردستان مع شعوبها الأصلية ليشكلا معاً الأمة الكردية.

عُرف عن الأكراد منذ القدم نزعتهم نحو الانطوائية وعدم انضوائهم بسهولة تحت لواء ممالك ودول كبرى سادت تلك المناطق، وطالما حرصوا على استقلالية لغتهم الخاصة التي تمزج بين الفارسية والآرامية، التي عدها علماء اللغة إحدى فروع اللغات الهند-أوروبية الحديثة، وكذلك تمسكوا بعاداتهم وتقاليدهم التي تحكم مجتمعاتهم.

بهذه النزعة الاستقلالية والروح المتمردة حرص الأكراد على حلم تكوين الدولة الخاصة بهم، رغم عدم كونهم أحد اللاعبين السياسيين في الصراع على سيادة العالم، فعند احتدام الصراع بين الفراعنة والحيثيين أضحت سهول الشام مسرحا للمعارك بين القوتين العظمتين آنذاك، لكن ذلك لم يمنع الأكراد من تكوين دول صغيرة، حملت أسماء “ألالاخ” و”الدولة الهورية”.

ومع توالى هجرات شعوب البحر المتوسط، انهارت معها سطوة الحيثيين في الشام، ومعها اندثرت تلك الممالك المحلية التي أنهت حلم الأكراد في تكوين دولة مستقلة، ورغم دخولهم تحت سلطان دول مختلفة، مثل الأشوريين، والفرس، واليونان، فإنهم ظلوا في حرب مستمرة مع السلطة، غير متقبلين أي تغيير يمس لغتهم وعاداتهم الاجتماعية، رغم إتباعهم

مع مجئ الإسلام، دخلت مناطق الأكراد في لواء الخلفاء الراشدين إبان خلافة الفاروق عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه، ورغم تخليهم عن الزرادشتية ودخولهم الدين الإسلامي أفواجا، فإنهم ظلوا على نزعتهم الاستقلالية غير قابلين للترويض السياسي.

وبما أن المناطق التي استوطنها الأكراد كانت مجاورة لإمبراطورية الروم البيزنطيين، فقد مثلت ثغورا للدول الإسلامية المتعاقبة من الخلافة الراشدة، مرورا بالعصرين الأموي والعباسي، لا سيما تلك المنطقة في شمال غرب سوريا.

ومع قيام الدولة الحمدانية في حلب والموصل في النصف الأول من القرن الرابع الهجري، باتت منطقة عفرين و”جبل الكرد” خط التماس الأول بين تلك الدولة الإسلامية وبين الروم البيزنطيين، وطالما عبر من خلالها سيف الدول الحمداني في حملات عسكرية على القسطنطينية، عاصمة إمبراطورية الروم، ومعها أبدع شيخ شعراء العربية المتنبي فى مدح سيف الدولة بقصائد خالدة عُرفت بـ”السيفيات”.

ومع هيمنة العناصر التركية على مقاليد الحكم في بغداد، عاصمة الخلافة العباسية، أدار السلاجقة، الذين ينتهي نسبهم إلى “طغرل بك”، زعيم قبيلة الغز التركية بسهول الأناضول، دفة السياسة الإسلامية، وقد تمكن نجل أخيه، السلطان ألب أرسلان، الذي شكل الأكراد أحد العناصر المهمة في تكوينه، من الإيقاع بالبيزنطيين في معركة “ملاذ كرد”، بل استطاع أسر الإمبراطور البيزنطي رومانوس ديوجينيس الرابع.

وقد أفضت معركة “ملاذ كرد” إلى أن يدعو البابا أوربان الثاني، في مؤتمر كليرمونت بفرنسا، إلى حرب صليبية أوروبية ضد العرب المسلمين، حرب اختلطت فيها الشعارات الدينية مع طمع الغرب في كنوز الشرق الإسلامي.

لبت الدول الأوروبية صريخ البابا، واندفعت جيوشها إلى الشرق، لتكون أربع إمارات في الرُّها وأنطاكيا والقدس وطرابلس، وانهارت دفاعات السلاجقة السنة والفاطميين الشيعة ـ المسلمين الألداء ـ أمام القوى الصليبية.

وبين أكراد الموصل، إبان عصر النهوض الإسلامي، إثر تكوين الدولة الزنكية، وُلد يوسف بن أيوب بن شاذي، الذي اشتهر فيما بعد بـ”صلاح الدين الأيوبي”، حيث كان والده واليا على الموصل، الذي تمكن فيما بعد من تحرير القدس من الصليبيين إثر معركة “حطين” عام 589هـ. كما نجح في التصدي للحملة الصليبية الثالثة.

وقد سيطر صلاح الدين على جبل الكُرد، ومدن سمعان، وحارم، وعنتاب، خلال فترة حكمه، وأورثها سلالته من الأيوبيين، حيث بسطوا سيطرتهم عليها حتى سقوطهم على أيدي قوات هولاكو المغولية.

وفى ظل اتساع الحروب التي خاضها المسلمون ضد الصليبيين والتتار، عُرف الأكراد بكونهم مقاتلين أشداء، وقد أدركت الدولة المملوكية قيمتهم، حيث شاركوا السلطان الأشرف خليل بن قلاوون في تحرير عكا وسواحل الشام من آخر بقايا الصليبيين عام 690هـ. كما توجهوا معه لتحرير قلعة الروم بمملكة أرمينية الصغرى، وقد نجحوا في ذلك، وهنا بدأ فصل جديد من الصراع بين الأكراد والأرمن الذين تجاوروا في الأرض بين الحدود السورية – التركية.

حين تشكلت الدولة العثمانية في سهول الأناضول، وبدأت في التوسع شرقا، ملحقة الهزائم بالدولة الصفوية الشيعية في موقعة جالديران عام 920هـ /1514م، ثم هزيمة المماليك التي أفضت بذهاب دولتهم في معركة مرج دابق عام 1516هـ /922م، على يد السلطان سليم الأول، تم استثناء الأكراد في سوريا من دفع “ضريبة الحرب” مقابل استمالة الأكراد في الحرب على الصفويين الإيرانيين، والأرمينيين المسيحيين الذين يحتفظون بصلات سياسية وتجارية وثيقة مع بعض الإمارات الإيطالية، مثل جنوة والبندقة، وبحكم الجيرة بين الأكراد والأرمن، فقد نجحت السلطة العثمانية في إذكاء الصراع بينهما.

وطيلة أربعة قرون ظلت العلاقة بين العثمانيين والأكراد على طرفي نقيض، فتارة يتحالفون بحكم الضرورة والمصلحة الحربية، وأخرى يثور الأكراد ويعلنون الكفاح المسلح ضد الأستانة، وقد قسمت السلطات العثمانية الأكراد إلى 380 قبيلة انتشرت فى منطقة كردستان، التي شملت سوريا وإيران والعراق وتركيا وأرمينيا، وقد وصل عددهم إلى نحو مليوني نسمة قبل سقوط الدولة العثمانية، وفقا للأرشيف العثماني.

وقد وجه الأرمن وبعض القوى الغربية تهم الإبادة الجماعية للأرمن على يد الأتراك إبان الحرب العالمية الأولى، وبالتحديد عام 1916م، وزعموا أن الأتراك قد استغلوا الأكراد في تنفيذ هذه الإبادة، حيث بات العنصر الأرمنى مُتهما من الدولة العثمانية بمساعدة الحلفاء فى الحرب العالمية الأولى.

ومع مطلع القرن العشرين، بدأ القوميون الأكراد بالتفكير في تكوين دولة مستقلة باسم “كردستان”، خاصة بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وقد وضع الحلفاء المنتصرون تصورا لدولة كردية في معاهدة سيفر عام 1920، لكن الآمال قد تبخرت إثر توقيع معاهدة لوزان التي وضعت الحدود الحالية لدولة تركيا بشكل لا يسمح بوجود دولة كردية.

وانتهى حال الأكراد إلى أقليات كبرى في الدول السابق ذكرها، حيث بلغ عددهم أكثر من 20 مليونا، ورغم حصول أكراد العراق على حكم ذاتي في كردستان العراق، فإن أملهم في الاستقلال التام عن بغداد قد انهار عشية الاستفتاء الذى أُجرى في سبتمبر الماضي، رغم تأييد الأغلبية، حيث رفضت أغلب الدول اعتماد نتيجته.

أما الأكراد في تركيا، الذين يبلغون أكثر من 20 % من عدد السكان، فقد تعرضوا للتهميش من قبل السلطات التركية التى منعتهم من استخدام لغتهم وممارسة عاداتهم وتقاليدهم، وأعيد توطينهم فى العديد من المحافظات، ولم تعترف تركيا بهويتهم العرقية، مما دفع عبد الله أوجلان إلى تكوين حزب العمال الكردستاني، الذي نادي بتأسيس دولة مستقلة في تركيا.

 

ثم بدأ الحزب الصراع المسلح بعد ست سنوات من تأسيسه، ومنذ ذلك الحين قتل أكثر من 40 ألف شخص، وأعيد توطين مئات الآلاف، وفي تسعينيات القرن الماضي، تراجع حزب العمال الكردستاني عن مطلب الاستقلال، وطالب بالمزيد من الاستقلال الثقافي والسياسي، لكنه استمر في القتال حتى الآن.

ومع ظهور “داعش” فى سوريا والعراق تقاعست تركيا عن تقديم العون للأكراد والإيزيديين فى عين العرب “كوبانى” وسنجار، خوفا من ازدياد شوكة الأكراد على الحدود السورية، فانبرت وحدات حماية الشعب الكردية في محاربة التنظيم المتشدد في شمال سوريا. كما قاومته البشمركة الكردية في العراق.

واليوم ذهبت تركيا في عمليتها العسكرية، التى أطلقت عليها “غصن الزيتون”، بعيدا، فمن تشكيل منطقة آمنة على الحدود السورية، إلى مزاعم الرئيس التركي بأن العملية ستنتهى بعودة 3.5 مليون لاجئ سورى إلى أراضيهم، لتنكشف الأمور فيما بعد عقب إعلانه توسيع دائرة العمليات لتشمل مدينة منبج السورية وبعض مناطق من العراق.

زر الذهاب إلى الأعلى