العلاقة بين المالك والمستأجر .. ملف “شائك” ينتظر الحسم
هل يُعقل أن تبلغ قيمة إيجار شقة في حي الزمالك الراقي أقل من 10% من قيمة إيجار وحدة بنصف مساحتها في منطقة عشوائية؟
بالتأكيد هذا ليس سؤالا استفهاميا، بقدر ما يحمله من استنكار يتردد كثيرا على ألسنة مالكي العقارات القديمة، الذين ينظرون بحسرة شديدة إلى قيمة الثروة العقارية التي يمتلكونها، في مقابل ما تدره من عائد هزيل، نتيجة القوانين التي تحكم منظومة إيجارات العقارات القديمة، والتي لم تطلها يد التغيير لعقود طويلة، حتى باتت ملفا شائكا ومؤجلا، نتيجة الخشية من مجرد الاقتراب من هذا الملف الذي صار معقدا اقتصاديا واجتماعيا.
ورغم أن “إعادة النظر في الإيجارات القديمة، والعلاقة بين المالك والمستأجر” باتت عنوانا متكررا على أجندة البرلمانات والحكومات طيلة العقود الأربعة الماضية على الأقل، ورغم تراجع الحديث عن هذا المف في السنوات الماضية تحت وطأة الانشغال بملفات سياسية واقتصادية أكثر سخونة، إلا أن المؤشرات المتكررة أخيرا عن عزم مجلس النواب فتح هذا الملف بقوة في دور انعقاده الحالي، تشير إلى جدية البرلمان هذه المرة.
ولعل في مقدمة تلك المؤشرات وجود مشروع قانون وصل في صياغته إلى المراحل النهائية، وبات جاهزا لطرحه للنقاش المجتمعي.
ويحظى ملف الإيجارات القديمة بأبعاد متعددة، اقتصادية واجتماعية وسياسية، وإسكانية، في وقت يراهن فيه الداعون إلى تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر على العديد من المكاسب الاقتصادية، من بينها تشجيع مالكي الوحدات المغلقة (بلغت وفق إحصاء حديث 25% من جملة الثروة العقارية) على فتحها واستثمارها، الأمر الذي يخفف الضغط عن قطاع الإسكان، بعدما أدت قوانين الإيجارات إلي إحجام المستثمرين عن الاستثمار في مجال البناء بغرض التأجير، الأمر الذي أدى إلى حرمان السوق المصرية من حركة دوران مؤثرة لرأس المال.
كما أدت العلاقة المختلة بين المالك والمستأجر إلى توجيه غالبية مدخرات المصريين لتوفير المسكن لهم ولأولادهم بدلا من المشاركة في استثمارات تعود بالنفع علي الاقتصاد القومي من خلال مساهمة المصريين بجزء من مدخراتهم في المشروعات الاستثمارية سواء بطريق مباشر أو غير مباشر عن طريق البنوك.
ويدافع الفريق الداعم لتحرير العلاقة بين المالك والمستأجر عن موقفه بالقول إن هناك تناقضا حادا بين سياسة الدولة الساعية نحو التحرر والانفتاح الاقتصادي، وبين تلك “القوانين الاشتراكية” التي تتحكم بالإيجارات القديمة، وتحرم قطاعا معتبرا من التمتع بعائد ثروته العقارية، حتى بات المستأجر أغنى، وأكثر قوة قانونية من مالك العقار.
في المقابل نجد الفريق المتحفظ الذي يدعو إلى الاقتراب الحذر من هذا الملف، يستند إلى البعد الاجتماعي الذي يعد الأكثر حساسية في هذا الشأن، فمن شأن أي اقتراب غير محسوب أن يتسبب في ارتباك يمس ملايين الأسر التي تشكل الغالبية العظمى من الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، وهي – رغم كل التحولات التي شهدها المجتمع المصري على مدى عقود- تمثل الغالبية العظمى من المواطنين، وأي مساس أو تحميل تلك الطبقات بمزيد من الأعباء، قد يؤدي إلى اضطرابات غير محمودة في هذا التوقيت.
وقد ظلت تلك النظرة الاجتماعية المتحفظة السبب الرئيسي وراء التردد في اقتحام هذا الملف الشائك، لكن مشروع القانون المطروح على البرلمان حاليا، يبدو أنه تنبه إلى هذا البعد، فتضمن مجموعة من المبادئ التي تتيح انتقالا متدرجا وهادئا من الوضع الراهن باتجاه تحرير العلاقة الإيجارية.
فقد تضمن مشروع القانون مواد تقضي بأن يسرى عقد إيجار العين المؤجرة بعد وفاة المستأجر الأصلى الوارد اسمه بالعقد، ويبقى فيها زوجه أو أولاده أو أى من والديه الذين كانون يقيمون معه، لمدة خمس سنوات من تاريخ الوفاة.
وتلتزم الحكومة بموجب المشروع المقترح بتوفير وحدة سكنية لكل مستأجر أو لشاغل العين المؤجرة، وانتهى عقد إيجارها، دون أن يكون لأحد حق البقاء فيها إذا كان صافى الدخل لكل واحد منهم أقل من قيمة الحد الأدنى للأجور (1200 جنيه شهريا).
هذه البنود وإن بدت أنها تراعي البعد الاجتماعي، لكنها لن تغلق بابا للجدل والخلاف، كان كافيا في مرات سابقة لتجميد اتخاذ قرار تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر… فهل يفعلها البرلمان الحالي؟.