fbpx
الرأي

العيب يا بلد !

الكاتب الصحفي

صبري الديــب

هل أصبح العيب والانحراف والخروج عن مبادئ وقيم المجتمع هو العرف السائد في مصر الآن، أم أننا مازلنا نتمسك بالثوابت الوقورة التي تلفظ كل ما هو منحرف أو شاذ أو يخرق السلوك القويم للشعب المتدين بطبعه.. أسئلة محيرة، أعتقد أنها فرضت نفسها على أذهان ملايين المصريين طوال الأسبوع الماضى، وهم يتابعون فى صمت وسخط توابع الأحداث غير الطبيعية لعودة مخرج سينمائي معروف إلى أرض الوطن.

فمنذ أكثر من عامين، وتحديدا قبل إجراء التعديلات الدستورية الأخيرة، دخل مخرج معروف فى اشتباك، كان أشبه بمواجهة كروية غير متكافئة على الإطلاق، أوقعت فريق “ريال مدريد” الإسباني بكل قوته المضاربة، في مواجهة فريق “كفر الغلابة” الذي لم يسبق له أن لعب في القسم الرابع بالدوري المصري.
ولأن غطاء الستر على السلوك القذر للمخرج المعروف كان قد استنفذ، فقد ساق له المولى عز وجل من سرب له مجموعة من الفيديوهات الإباحية، كان قد صورها لنفسه في أوضاع شاذة مع فنانتين وراقصة ومذيعة وأستاذة جامعية، لينهي ريال مدريد المباراة في دقائقها الأولى بنتيجة 100 ‐ صفر، وليتعلق له في ذاكرة العالم فضيحة لن تمحوها الأيام.

وتواصلت توابع الكارثة الأخلاقية التي تابع المصريين تفاصيلها باستياء، حيث تم القبض على المتهمات، وهروب بطلها ومخرجها الأوحد خارج البلاد دون أن يوجه له اتهام واحد، وصال الإعلام وجال في تفاصيل القضية التي ألحقت بسمعة مصر ومبدعيها أذى لن ينسى، فى حين تفرغ المخرج العنتيل لإصدار بيانات من الخارج للتشكيك في أرضية الملعب والحكم، ونعت التغيرات الدستورية.

وفجأة انقلبت الأوضاع، وعاد المخرج العنتيل إلى أرض الوطن معززا مكرما محاطا بحفاوة وكأنه بطلا مغوارا، فى مشهد لم تستوعبه بعد عقول المصريين، حيث احتفى به العشرات من مدعى الثورية وقادة اليسار المصرى فى حفل أقيم فى بلدته، سبقه حفل مهيب حضره كبار القوم من أبناء دائرته الانتخابية، وسط أنباء عن الدفع به فى الانتخابات التكميلية للمنافسة على مقعد خلا بوفاة أحد نواب الدائرة بالبرلمان المصري.

ولم يتوقف أمر المشهد العجيب عند هذا الحد، حيث بدأ تسويق المخرج إعلاميا من جديد فى صورة الثورى المبدع، من خلال لقاءات بدأ واضحا أنها معدة مسبقا إستفزت مشاعر المصريين، خاصة وأن الرجل لم يتوارى خلالها خجلا، ولم يخطر بباله الإعتذار للمجتمع عما قدمه من إنحرافات حطمت كل مقاييس “العيب” حيث بدأ بجحا، محاولا تقديم نفسه فى صورة الثورى حامل لواء المبادئ، مستعرضا حالة الاستجمام والترف التي كان عليها خارج البلاد، مخرجا لسانه للشعب بالإعلان عن مكافأة إحدى شركات الإنتاج السينمائى له بتمويل فيلما ومسلسلا من إخراجه.

للأسف أن عودة المخرج الشهير بدت أمام المصريين وكأنها مرتبة ومعدة سلفا، وسط تساؤلات عن السبب الذى جعل الحكومة تغض النظر بتلك السهولة عما اقترفه من جرائم أخلاقية بحق المجتمع، بل ومكافئته بتمويل أعمال سينمائية ودرامية من إخراجه، واحتمال منحه مقعدا نيابيا عن الشعب فى البرلمان، وسط دعم علني غريب وغير متوقع لموقفه من شخصيات محسوبة على اليسار المصري.

الموقف برمته بالتأكيد يثير العديد من التساؤلات، خاصة وأن المخرج “المحروق” جماهيريا وأخلاقيا لن يكون سوى واجهة ملوثة، في توقيت يطمح فيه المصريون إلى تغيير يرتقي بالمبادئ والقيم والأخلاق قبل التنمية والبناء، فما أصدق أمير الشعراء حينما قال: “وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا”.. وكفى.

زر الذهاب إلى الأعلى