القوة والإيمان والخيال .. كيف اخترقت أمريكا الشرق الأوسط منذ ٢٥٠ عاما؟!
كتب – محمد عيد:
اندهش كثيرون أو صُدموا نتيجة القرارات الأمريكية التي اتخذها الرئيس دونالد ترامب في بضعة شهور، خاصة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى المدينة المحتلة.
لم يكد العرب يفيقوا من الصدمة -وربما الصفعة- الأولى حتى جاءت الصدمة الثانية بإعلان سيد البيت الأبيض الاعتراف بالسيادة الإسرئيلية على أراضي الجولان العربي السوري المحتل.
كلمات وخطب رنانة وشعارات وكلمات شجب وإدانة حفلت بها الأيام الماضية، سواء من المحافل الرسمية او غير الرسمية، فقد أتى السيد ترامب في شهور معدودة بما لم يستطع سابقوه تحقيقه – لصالح إسرائيل- في سنوات وربما في عقودو لكن من يجيد قراءة النهج الأمريكي في التعامل مع الشرق الأوسط يدرك أن ذلك التحول لم يكن غريبا أو مختلفا، حتى وإن بدا صادما.
وهذا ما تكشفه سطور كتاب “القوة والإيمان والخيال” للكاتب مايكل أورين وترجمة آسر حطيبة، وهو عمل ضخم يتجاوز عدد صفحاته الألف، وصادر عن دار كلمات عربية بالتعاون مع هيئة أبوظبى للثقافة والتراث “كلمة”، وهو يمثل عملا موسوعيا يكشف طبيعة وجذور العلاقات الأمريكية بالمنطقة، وكيف أن القراصنة كانوا هم بداية العلاقة الأمريكية بالبلدان العربية، وكأن البدايات تمثل رمزا وإشارة مهمة لطبيعة الدور الأمريكي في المنطقة على مدى قرون، والتي توجتها إدارة ترامب بنهجها الاستعلائي المنحاز لإسرائيل، فقد صار الأمريكان هم قراصنة المنطقة والعالم!! الكتاب يؤرخ للوجود الأمريكى فى الشرق الأوسط منذ عام 1776، وهو التاريخ الذى أعلنت فيه الولايات المتحدة استقلالها عن بريطانيا، ويقول مايكل أورين فى تمهيد الكتاب، أصبح الشرق الأوسط يمثل إلهاما دينيا لملايين الأمريكيين، كما أصبح مصدر تخوف كبير منا، واحتل العرب مكانا رئيسيا فى إجهاد الجيوش الأمريكية، وحل الاهتمام باللغة العربية محل الاهتمام باللغة الروسية. ووضع الكاتب بعد المقدمة 7 أبواب تحدث فى الباب الأول منها عن مواجهة أمريكا للشرق الأوسط بعد استقلالها مباشرة عن بريطانيا، وتخلى البحرية البريطانية عن حماية التجار الأمريكيين، بل وأصبحت عدوها اللدود، ويحكى فى هذا الباب عن المواجهات التى جرت بين الأسطول البريطانى والتجار الأمريكيين، مما هدد بقاء أمريكا نفسها، ثم سعى التجار الأمريكيين وراء تحقيق ثروة فى حوض البحر المتوسط رغم طول الرحلة من أمريكا، وخطورة القراصنة العرب الذين كانوا يهاجمون السفن الغربية ويستولون على حمولتها.
كان هؤلاء القراصنة يبحرون من إمبراطورية المغرب المستقلة، والمناطق العثمانية شبة المستقلة كطرابلس وتونس، والذين عرفهم الغربيون باسم منطقة البربر. ويكشف الكتاب بعدا مهما في جذور الانحياز الأمريكي لإسرائيل، وهو البعد الديني، فيشير إلى المساعي الأمريكية في المنطقة لإعادة اليهود إلى أرض فلسطين كجزء من الرسالة التبشيرية التي وضعتها لنفسها في المنطقة.
ويسرد الكتاب أنه فى عام ١٨١٩ توجه مبشر بروتستانتى إلى فلسطين بهدف “إعادة فلسطين للسيادة اليهودية، وإنقاذ أرواح المسيحيين الأرثوذكس والموارنة والدروز”. وفى عام ١٨٩١ وجهت مذكرة للرئيس الأمريكى بنجامين هاريسون كتب فيها: “نحن نؤمن بأن هذا هو الوقت المناسب لكل الأمم.. لإظهار التعاطف مع إسرائيل، فهناك ٢ مليون يهودى روسى يناشدون تعاطفنا معهم، ويناشدون كذلك عدلنا وإنسانيتنا، وهم فى أشد الحاجة لملجأ فى فلسطين”. ربطت المذكرة بين قدرة أمريكا على فصل صربيا وبلغاريا عن الدولة العثمانية، وإمكانية تحرر فلسطين من أجل اليهود. ويشير الكتاب إلى هذا المطلب باعتباره “فرصة لتحقيق أهداف الرب، فيما يخص شعبه المختار”!..
وقوبلت المذكرة بالرفض من أوروبا، والدولة العثمانية، لكن رفض الإدارات المتتالية لدعم تكوين دولة يهودية لم يثن أعدادا كبيرة من الأمريكيين عن عزمهم.
وهكذا نشأت مستعمرة أمريكية فى القدس، عندما استأجر “آل سبافورد” منزلا كبيرا خارج أسوار المدينة القديمة، وأنتجوا المنسوجات، وأسسوا مدرسة للبنات، وباعوا تذكارات للأرض المقدسة، وظلوا يحلمون بتحقيق نبوءة عودة اليهود.
العجيب أن هذه المستعمرة ربما كانت البذرة الأولى لفكرة الاستيطان الإسرائيلي الذي التهم أراضي فلسطين المحتلة ولايزال. يضم الكتاب خرائط أصلية وأكثر من 60 صورة فوتوغرافية، ترصد فى الكثير منها أشكال التدخل الأمريكى فى الشرق الأوسط بصور حية.
Attachments area