fbpx
الرأي

انسانية الحياة الزوجية

الدكتور عادل عامر

أن الزواج الهدف الأسمى للإنسان، وسبيله لبناء حياة سوية تضمن له السعادة. لقد أصبح التمرد على الزواج يكتسب أنصارًا جددًا كل يوم أن المجتمع يضع العديد من القيود الاجتماعية المرتبطة بالزواج، بحيث يعيش الأشخاص في إطار محدد، يفضِّل المجتمع أن يراهم من خلاله، وهو ما دفع الكثير من الشباب إلى الهروب من هذه القيود وتفضيل حياة العزوبة، خاصة وأن لها فوائد كثيرة.

إن بناء الأسرة يجب أن يتأتى من الشعور بالمسؤولية تجاهها ومن كل الأطراف وهي الرغبة الحقيقية في تكوين العلاقة الإنسانية بين الرجل والمرأة بالتشارك، فلماذا يوضع المال كوسيلة وسيطة بينهما في بناء هذه العلاقة؟!

منها مثلًا تمتُّع الشخص بحريته وانفتاحه على المجتمع بعلاقات متعددة مع الأهل والأقارب والجيران، على عكس المتزوج الذي عادة ما يفقد معظم هذه العلاقات ويصبح محصورًا في دائرة العلاقات الأسرية المحدودة.

لقد أصبحت العزوبة اختيارًا يتبناه الكثيرون الآن، غير مكترثين بالتحديات التي ربما تقابلهم مثل نظرة المجتمع أو الوحدة التي ربما تكون مصيرهم المحتوم يومًا ما أو شعورهم بالحاجة إلى الأمومة أو الأبوة. “العزوبة اختيار مثالي لحياة أشعر فيها أنني أتحكم في وقتي وأموالي دون المجازفة بقضاء بقية حياتي متحملًا مسؤولية زوجة وأطفال، بحيث تتحول كل طموحاتي في الحياة لمجرد القدرة على تلبية احتياجاتهم “،”المجتمع لا يزال يرسم خطًّا واحدًا للنجاح لا بد للإنسان أن يسير فيه”. وتضيف أن الزواج هو الشكل المثالي الذي يرضى عنه المجتمع ويتقبل الفرد من خلاله،

ولكن من دون أن يتوقف لينظر بعمق داخل هذا الإطار ليرى درجة سعادة ورضا مَن بداخله. أن التنامي المستمر لظاهرة تفضيل عدم الزواج يعود لعدة أسباب، أهمها: احتفاظ الشباب بمخزون من تجارب الفشل والتعاسة لنماذج المتزوجين من حولهم، فلا يستطيع أحد أن ينكر أن مفاهيم مثل مؤسسة الزواج والعلاقة الأسرية أصبحت مشوهة، ومؤشر ذلك ارتفاع معدلات الطلاق في مصر إلى درجة غير مسبوقة. يدعم فكرة الحياة دون شريك، طالما أن مفهوم الحياة المشتركة باسم الزواج ليس واضحًا. “المجتمع قلص الحياة الاجتماعية للفرد في خط واحد هو خط الأسرة”،

في العالم كله تحولت الأسرة الى أسرة نووية صغيرة تكونت لكي تسير في الركب ولكي لا ينبذها المجتمع، في حين أن أفرادها ليسوا دائمًا سعداء؛ لأنهم من البداية لم يختاروا الزواج كخطوة للحياة مع أفراد لا يمكنهم الاستغناء عنهم. أن الإنسان بطبعه يبحث دائمًا عن الحلول الأسهل، لذلك يتزوج الأفراد لكي يسبحوا مع التيار المجتمعي -وليس ضده- ولكن من دون وعي بقيمة الزواج نفسه أو بكيفية إنجاحه. “المجتمع لديه موروث، وهو أنه لا قيمة للرجل إلا إذا تزوج، ولا للمرأة إلا إذا أنجبت، وهكذا بحيث إن مَن لا يقوم بدوره هذا الذي حدده المجتمع يتم وضعه في مرتبة متدنية”.

الزواج قيمة روحانية وإنسانية، وهو مصدر للتنوُّر والحكمة والارتقاء والسعادة ، فعلى مَن لا يدرك ذلك أن يظل أعزب حتى يستوعب سمو هذه العلاقة. يجب التوقف عن دفن رؤوسنا في الرمال، ومواجهة الحقيقة كما هي.

على المجتمع أن يُرسي المفاهيم الصحيحة للزواج، بحيث يقوم على أساس الشراكة والحب والاحترام، مما يسهم في تشجيع الشباب على فهم هذه العلاقة السامية فهمًا صحيحًا؛ فالزواج لا يجب أن يكون مجرد “إطار جميل” وفي الحقيقة أن السوس يأكله من الداخل.

إن الأخذ بمعالي الأخلاق ومكارمها يستلزم ضرورةً التخلي عن مذمومها من حيث كونهما ضدان لا يجتمعان، ولذا كان لا بد للفرد المسلم أن يعرف الأخلاق الحميدة كما ينبغي له أن يتعرف أيضًا على الأخلاق المذمومة التي نهى عنها الشارع الحكيم،

وبذلك تتوفر له قاعدة علمية شاملة تضم الأمرين جميعا: المأمور به والمنهي عنه في القرآن والسنة، وهنا يتحقق شرط الإلزام الخلقي الأساسي، ألا وهو المعرفة النافية للجهالة. وبهذه المعرفة تتحدد المعايير الضرورية التي تضبط حركة السلوك الإنساني في هذه الحياة، بيد أن هذه المعرفة وحدها غير كافية،

إذ ينبغي على المؤمن أن يربط القول بالعمل، والمعرفة بالسلوك، بحيث لا يكون القول مجرد كلام لا جدوى منه، وتكون المعرفة مجرد إطار نظري لا فائدة منها، ذلك أن اقتران القول بالعمل والمعرفة بالممارسة

الحياة الزوجية في الأديان السماوية التوحيدية وفي المتخيل الإنساني عبر التاريخ قرينة الاستقرار وعماد السكينة وشرفة يطل الأزواج من عليائها على السعادة المترامية الأطراف (هناك في البعيد البعيد حيث تتراقص الآمال على موسيقى الانتظار البطيء والرتيب )..يظل الأزواج الحالمون بهذه السعادة المنفلتة مصرين على النظر إليها من بعيد ،وهم شبه متيقنين من أنهم لن يظفروا بها مهما طال الزمن ..

.ومع ذلك ،فإن العناد المركوز في قرارات أنفسهم لمعانقة السعادة الهاربة يظل متواصلا ومشبوبا إلى أجل غير مسمى …هل يتعلق الأمر إذن بانتفاء السعادة الحقيقية مع اكتشاف الأزواج بعد مدة قصيرة أن البداية العسلية نادرا ما تنتهي بنفس الحلاوة البدئية ؟؟؟هل لأن أجمل ما في العشق هو وجود مسافة ملتهبة في أوله سرعان ما تتعرض للانطفاء بسبب الوصال والتملك ؟؟؟هل سقوط الأزواج ضحية وهم امتلاك طرف لآخر، وتوفره على الصلاحية المطلقة لحق التصرف فبه يمكن أن يكون عاملا رئيسا في تهجير السعادة المشتهاة نحو منافي الغياب والاستحالة ؟؟؟لماذا يشكو كثير من الأزواج سوء حظهم إلى الخالق وإلى المقربين وحتى إلى بعض المتسولين الذين استقدمتهم رياح العوز نحو باب المنزل جراء انطواء المسافة الملتهبة التي أوقدت (دون سابق تحذير)في جوانحهم نار الانغمار في لجة الزواج الهادرة والمضطربة ؟؟أين يختبئ ذاك الشيطان الحقود الرجيم الذي يوقع بين الأزواج فلا يظفرون بعد الزواج بما ارتسم في مخيلاتهم عند البداية ، من أطياف السعادة والانشراح والحبور؟؟؟

أسئلة مؤرقة من هذا النوع لا يمكن أن نعثر لها على أجوبة شافية إلا إذا آمنا بأن الزواج في الباطن حرب نظيفة بين الرجل والمرأة ..لكن معظم الأزواج يدخلون هذه الحرب بأسلحة غير نظيفة أولها سلاح التملك والغيرة والأنانية وعدم الاعتراف بالحق في الاختلاف ….

الأزواج ذكورا وإناثا يخوضون هذه الحرب كل يوم أو في معظم الأوقات بدون روح رياضية وبدون أخلاقيات حربية متحضرة ، مما يؤدي إلى استعصائها على الهدنة أو التوقف أو الحل …لهذا قال أحدهم “الزواج هو الحرب الوحيدة التي ينام فيها المحارب بجوار عدوه “فأي الزوجين يستطيع أن يتنازل للآخر عن دور المحارب ويقنع .

حببتي الغالية . . . دمت لي ذكرى وسلوى ، وأملاً متصاعداً نحو الكمال . سلام الله عليك ورحمة منه وبركات ، ودعاء إليه ـ جلت قدرته ـ ان يهبك من الصحة والتوفيق والهناء في حياتك الدنيا والآخرة ما يقرّ به عين حبيبك، إنه سميع الدعاء قريب مجيب . . .

حبيبتي الغالية امتلكته حين كنت صغيرة ، حيث كنت له السعادة وابتسامة الحياة ، وملأت قلبه بالبهجة يوم كنت تملئين بصره بابتسامتك العذبة ، وسمعه بضحكاتك المتهجدة وكلماتك المتقطعة ، كما تملئين فمه بسائل لعابك الحلو الممزوج بالبسكويت .

ملأته حينها بعاطفة جياشه ، لم يكن يعلم عنها شيئاً . . . حتى أخبره الزمن أنها بواكير حبيبها بدأت تتحقق بها رجولته . . كان يرى الدنيا من خلالك ، ويفهم سعادتها وشقاءها من خلال سعادتك وشقائك ، ويحسّ راحتها وآلامها من خلال راحتك وآلامك ، ويرى افراحها وأتراحها من خلال ضحككِ وبكائك . كان يراكِ دنياه التي يعيشها . . أنت وحدك ، لا أحد آخر سواك . .

فهذه الوحدة تستوجب ـ بدورها ، ومن ناحية المسؤولية التي نتحدث عنها ـ أن يتحمّل كل من الزوجين مسؤولية الزوج الآخر كجزء من مسؤولية اتجاه نفسه ، من أجل تحقيق المعاني والأهداف العليا ، التي يريدها الله ( تعالى ) لهذه الأسرة التي يريدها ، دون أدنى تجزئة ، أو تجاوز .

فالمعروف هو القاعدة التي ينهض عليها كيان هذه العلقة برمته ، ومنها تستمد جذورها وعطائها فلا قهر ، ولا تسلط ، ولا تجبّر ، ولا استغلال ، وإنما هو المعروف ، والمعروف وحده . . فمنه تبدأ المسيرة ، وبه تمضي مجرياتها ، وإليه تنتهي غاياتها . .

نعم ، لا بد من ملاحظة تعاظم المسؤولية الإنسانية ، مع تنامي درجات أهمية الحالة التي يمر بها الإنسان ، أو دوره في الشريحة الاجتماعية التي ينتمي إليها ، ومع أهمية هذه الشريحة في حياته ، وشدة ارتباطها بتكوينه .

زر الذهاب إلى الأعلى