تقارير وملفات

مؤسسات الدولة في خطر.. موجة التشكيك تهدف لتقويض الإصلاح

تقرير – محمد عيد:

شهدت الساحة المحلية على مدى الأسابيع والشهور الأخيرة العديد من الأحداث التي تمثل منظارًا كاشفًا لكثير مما يجري في داخل العقل الجمعي لقطاعات واسعة من الجمهور، ومدى الثقة التي تحظى بها مؤسسات الدولة لدى المواطن المصري على اختلاف مستوياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

فعلاوة على التشكيك المتكرر في نتائج ما حققته العملية الشاملة في سيناء، هناك العديد من الحوادث الجنائية التي شهدتها عدة محافظات خلال الآونة الأخيرة، مثل حادث مصرع 3 أشقاء أطفال بمنطقة الهرم، ثبت لاحقا تورط أمهم بإهمالها في وفاتهم الفاجعة، وجاءت بعدها واقعة قتل أب بمنطقة ميت سلسيل في محافظة الدقهلية طفليه في أول أيام العيد، إضافة للعديد من الحوادث المشابهة رغم اختلاف التفاصيل.

والقاسم المشترك بين تلك الحوادث موجة التشكيك في صدق ما تقدمه مؤسسات الدولة المعنية من معلومات، وما تطرحه من رواية، رغم كل ما تقدمه تلك المؤسسات من أدلة متنوعة تعزز صدق ما تطرحه.

وقد يكون هذا التشكيك في جانب منه مقصودا ومتعمدا، بل ومطلوبا من جانب جماعات وتيارات سياسية يهمها تدمير أية جسور للثقة بين الدولة والمواطن، لكن في مقابل ذلك التشكيك المتعمد، هناك أيضا جانب آخر عفوي وغير مسيس، وهذا هو الأخطر، لأن الأمر هنا يتعلق بقطاعات أوسع، وأكثر تنوعا، وأقل قدرة على التحصن من محاولات الاختراق المتعمدة، فضلا عن أن هذه القطاعات هي ما تمثل في الغالب الأعم الحصن الأقوى لأي نظام سياسي، وتوجيهها وتشكيل وعيها يعد ميدانا مهما للمعركة بين الدولة وبين خصومها من مختلف التيارات.

وقد يكون هناك الكثير من الأسباب أو العوامل التي تستند إليها حملات التشكيك في أداء مؤسسات الدولة، بعضها يرجع أحيانا إلى ميراث من عدم الثقة وغياب المصداقية لدى بعض تلك المؤسسات، والبعض الآخر يرتبط بالتحولات السياسية والاجتماعية الحادة التي شهدها المجتمع المصري على مدى السنوات الثماني الأخيرة، والانتشار الهائل لمنصات التواصل الاجتماعي التي وفرت أدوات غير مسبوقة لنقل ما يدور همسا في الجلسات الخاصة وخلف الأبواب المغلقة إلى الفضاء الجماهيري والمجال العام.

ولو تتبعنا الأداء الإعلامي للدولة المصرية بمفهومها الشامل في السنوات الأخيرة، فسنجد أنها تنفق معظم جهدها وطاقاتها في محاولة التصدي لمحاولات التشكيك، أو الرد على ما تثيره من انتقادات، أو حتى الهجوم على مصادر تلك الحملات، بينما يأتي ذلك على حساب الحملات الإيجابية التي تعزز مشاركة المواطن في عمليات التنمية، ونشر الوعي الحقيقي بدوره في مجتمع يواجه الكثير من التحديات.

والحقيقة أن إضافة ما شهدته الفترة الأخيرة من موجات للتشكيك في أداء العديد من مؤسسات الدولة، إلى رصيد سابق من عمليات التشكيك والتهوين مما تقوم به مؤسسات الدولة بات يمثل خطرا حقيقيا، على صانع القرار أن يتوقف أمامه بمزيد من التحليل، وأن تكون هناك إستراتيجية عملية وعلمية حقيقية للتعامل مع هذا التحدي، على ألا تقتصر تلك الإستراتيجية على القوالب المعتادة من التصريحات الرسمية التي لا تمثل أي قيمة في ميزان المعالجة الجادة للمشكلة، بل إنها أحيانا تعمق الأزمة، وتكون موضوعا لحملات جديدة للتشكيك، والهجوم على مؤسسات الدولة.

إن الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة تمثل واحدة من أهم مكونات رأس المال السياسي والاجتماعي الذي يمتلكه أي نظام سياسي، وبالتالي تآكل هذا الرصيد – أيا كانت الأسباب أو الدوافع – هو إضعاف للنظام السياسي ومؤسساته الحيوية، وهو ما يمثل خطرا حقيقيا على مستقبل الدولة واستقرارها، الأمر الذي يستوجب تحركا فعالا لحماية تلك الثقة وتعميقها، بعيدا عن الشعارات والخطابات الرنانة التي لا تجدي نفعا.

زر الذهاب إلى الأعلى