fbpx
تقارير وملفات

موسم التصالح لم يسلم من الصراعات السياسية.. الحج يدخل مرمى حروب المكايد في المنطقة العربية

رغم أن الحج موسم سنوي للتصالح والتسامي على الخلافات، فإنه لم يسلم من صراعات السياسة، والحروب الدائرة حاليا في المنطقة العربية، حتى بات “تسييس الحج” كرة تتقاذفها دول المنطقة ذات المشاريع المتصارعة، من أجل تسجيل هدف في مرمى الفريق الآخر.

ورغم أن “تسييس الحج” ليس بالأزمة الجديدة على تاريخ المنطقة، فقد جرت محاولات عديدة في هذا الشأن على مدى السنوات والعقود الماضية، إلا أن الخلاف الحالي بين قطر ودول رباعي المقاطعة العربية، وفي مقدمتهم السعودية أضاف وقودا جديدا للصراع، واستغلت دول أخرى تلك النار لتنفخ فيها فتزداد الأزمة اشتعالا.

فعلى مدى العامين الماضيين سعت الدوحة إلى استغلال موسم الحج لافتعال أزمة حقيقية مع السعودية، تحاول من خلالها استدرار تعاطف إقليمي ودولي لصالحها، فعمدت الدوحة إلى رفض كل الخيارات التي طرحتها المملكة العربية السعودية لاستضافة الحجاج القطريين، وأصرت على فرض إملاءاتها من أجل كسر المقاطعة العربية والسعودية خصيصا.

وتجددت الأزمة هذا العام، ورغم الترحيب السعودي المعلن بـ”قدوم الأشقاء القطريين بعد استكمال تسجيل بياناتهم، حال وصولهم مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة”، فإن الدوحة أصرت على أن يكون عبور حجاجها من خلال المنفذ البري بين البلدين الذي ما يزال مغلقا، كما قامت بتعطيل تسجيل الراغبين في الحج من مواطنيها، والمقيمين على أراضيها عبر رابط إلكتروني خصصته السلطات السعودية لتسجيل بيانات من يريد الدخول إلى المملكة والحج.

بل وصل الأمر ـ بحسب ما تداولت بعض المواقع الإخبارية وما نشره نشطاء ومدونون قطريون على تويتر ـ إلى إصدار السلطات القطرية وثيقة رسمية تلزم من خلالها مواطنيها المسافرين إلى خارج البلاد بالتوقيع على تعهد رسمي بعدم أداء فريضة الحج أو العمرة.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل وصل التصعيد إلى مستويات دولية، حيث تقدمت قطر بشكاوى لثلاث جهات بالأمم المتحدة شملت رئيس مجلس حقوق الإنسان، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمقرر الخاص المعني بالحريات الدينية، وهو ما سبق وفعلته العام الماضي واعتبره وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بمثابة “إعلان حرب” ضد إدارة السعودية للأماكن المُقدَّسة.

الغريب أن تلك المساعي القطرية لتسييس الحج، وإقحام أحد أبرز الفرائض الإسلامية في خلاف سياسي، تواكب مع مساع إيرانية في نفس الاتجاه، في وقت باتت فيه طهران تتصدر حلفاء الدوحة، فقبل بدء موسم الحج، دعا المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إلى تنظيم احتجاجات خلال موسم الحج، قائلا: إن “الحج يمنح المسلمين فرصة عظيمة للتعبير عن الآراء والمواقف”، معتبرا أن “أي مكان أفضل من مكة المكرمة والمدينة المنورة يمكن للمسلمين الذهاب إليه للتعبير عن مخاوفهم حيال ما يحدث في المسجد الأقصى وفلسطين؟”.. وجدد خامنئي دعوته التي أطلقها عام 2015 بعد حادث التدافع في مشعر منى، إلى تشكيل هيئة مستقلة تتولى إدارة الحج.

هذه المحاولات القطرية – الإيرانية لتسييس الحج، وإقحامه في أزمات المنطقة، تتجاوز في خطورتها حدود الصراع السياسي، فهي لعب حقيقي بنار الفتنة الدينية، وتحويل صراعات السياسة التي يمكن تجاوزها بين حين وآخر لارتباطها بمتغيرات آنية وظروف إقليمية سرعان ما تتبدل، إلى شروخ عميقة في قضايا جوهرية تتعلق بالدين وممارسة الشعائر الدينية، وهي أمور لا يمكن أن تلتئم بسهولة، أو يتم التجاوز عنها ببساطة.

ومن الواضح أن صراعات “المكايدة السياسية” في المنطقة فقدت كل ضوابط العقلنة، وباتت صراعا مجنونا بلا سقف ولا حدود، وهو ما يهدد المنطقة كلها بدخول نفق مظلم من الصراعات التي لا تخضع لحسابات الربح والخسارة، فالجميع في مثل تلك الصراعات.. خاسرون.

بواسطة
تقرير – محمد عيد
زر الذهاب إلى الأعلى