مصر تهزم الثلاثي “قطر وتركيا والإخوان” في معركة الكيد السياسي
لا يخفى على أحد حجم الانقسامات والتشرذم الذي تعيشه المنطقة العربية منذ انطلاق ما يسمى “ثورات الربيع العربي”، وما أعقبها من تكوّن تحالفات مع وضد تلك الثورات، ولم يعد ذلك الانقسام مقصورا على داخل المجتمعات العربية، ولكنه امتد أيضا إلى مستوى التحالفات الإقليمية والدولية الداعمة أو المناهضة لتلك الانتفاضات، وما أفرزته من تغيرات.
ولعل أبرز تلك التحالفات التي عرفتها المنطقة عقب ثورات مصر وتونس وليبيا واليمن، تشكل محورين أساسيين، تجسدا بوضوح عقب ثورة 30 يونيو 2013 في مصر، وما أسفرت عنه من إطاحة بحكم جماعة “الإخوان” في مصر، وتهاوي مشروع “الهلال الإخواني” الذي كان يتم التخطيط والترويج له في منطقة الشرق العربي، بدعم صعود الجماعة الإسلاموية الأبرز في معظم دول المنطقة، فقد تشكل محور (تركيا – قطر) بوصفه أبرز داعمي المشروع الإخواني، وأقوى المناوئين لنظام 30 يونيو في مصر، واستقطب هذا التحالف بصورة أو بأخرى وبدرجات متفاوتة دولا مثل السودان وبدرجة أقل المغرب.
في المقابل بدأت تتشكل ملامح تحالف مقابل يمكن أن نطلق عليه “تحالف دعم الدولة الوطنية”، هذا التحالف يضم بصورة أساسية مصر والسعودية والإمارات والبحرين (رباعي المقاطعة العربية لقطر)، ويدعمه بدرجات أقل الأردن والجزائر، بينما باتت بقية الدولة العربية الأخرى ساحة لمنافسة متواصلة لكسبها إلى جانب أحد الفريقين.
اللافت أن تصاعد نبرة “الكيد السياسي”، من جانب تحالف (تركيا – قطر – الإخوان) باتت تمثل خطرا حقيقيا على ملفات مهمة في المنطقة، وخرجت من حيز المنافسة السياسية والتبارز الإعلامي، إلى مستنقع إفساد ملفات إقليمية حيوية قد تفاقم من أزمات المنطقة كلها.
ولعل موقف ومساعي تركيا وقطر الأخيرة لتخريب الجهود المصرية فيما يتعلق بملف التهدئة الفلسطينية، والذي تبذل فيه الأجهزة الأمنية المصرية جهدا لافتا، أحد أبرز الأدلة على حجم الخطر الذي يمكن أن تؤدي إليه المكايدة السياسية لمصر من جانب التحالف القطري التركي الإخواني، فبينما سعت القاهرة إلى منع الأوضاع في قطاع غزة من الانزلاق إلى حافة مواجهة دامية مع إسرائيل، وتسعى حاليا لتثبيت هدنة طويلة الأمد، بدأ المحور المناوئ لمصر مساعي حثيثة لتخريب تلك التهدئة، وبعدما فشل في تحقيق هدفه عبر بوابة الفصائل الفلسطينية، وفي مقدمتها حركة “حماس”، اتجه إلى تخريبها – وربما للمرة الأولى – عبر استقطاب السلطة الفلسطينية، غير عابئ بالنتائج الكارثية التي يمكن أن تؤدي إليها تلك الأفعال الكيدية من إطلاق مواجهة دامية في قطاع محاصر، لم يعد به بقية من دم لينزفه في مواجهة غير متكافئة مع آلة عسكرية إسرائيلية، لا تعرف غير لغة القوة والعدوان.
كما أن الكيد السياسي لمصر وحلفائها، تجاوز مرحلة حروب الشاشات المستمرة منذ الإطاحة بحكم الإخوان، وذلك السعي المغرض إلى إهالة التراب على كل إنجاز مصري حقيقي، وشن حرب مدروسة سلاحها الأكاذيب، ووصل إلى مرحلة جديدة من محاولة محاصرة أي نجاح يحققه الفريق الداعم لمصر، ومن أمثلة ذلك، المساعي القطرية التركية – رغم أزمات أنقرة الاقتصادية – للالتفاف على النجاح الذي حققته الدبلوماسية الإماراتية في منطقة القرن الإفريقي، وتحقيق تقارب تاريخي بين أثيوبيا وأريتريا، وهو ما يصب في النهاية لصالح مصر وملف أزمة سد النهضة، فبدأ المحور القطري التركي تحركا مقابلا لإثارة نوازع شقاق قديمة، ومحاولة لشراء حلفاء بتلك المنطقة الإستراتيجية ليكونوا شوكة في ظهر أي نجاح للمحور المصري الإماراتي، وبدأت محاولة لفتح جبهات جديدة للصراع في الصومال وجيبوتي.
الأمر إذن يبدو أعقد من مجرد “كيد سياسي” فقد يتحول إلى صراع مشروعات، لا سيما مع ارتهان محور (قطر – تركيا – الإخوان) لمشروعات إقليمية، لا تبدو العروبة ولا المصالح العربية مدرجة في قاموسها، لكن ما لا يدركه أنصار هذا المحور، أن أطراف ملابسهم ليست ببعيدة عن ألسنة النيران التي تشعلها أيديهم.