fbpx
الرأي

محمد شومان يكتب: سيناء أمام مشاريع التنمية والوعد بنهاية الإرهاب

في منطقة وسط بين التحذير والتهديد قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن الإرهابيين الذين غادروا الرقة السورية أُرسلوا إلى سيناء. التصريح لم يحدد الجهة التي قامت بإرسال الإرهابيين، أو كيف دخلوا مصر، لكنه يثير شكوكاً ويخلق تحديات جديدة لمصر. الغريب أن تصريح أردوغان جاء بعد أيام من تكليف الرئيس السيسي رئيس أركان الجيش المصري الجديد باستعادة الأمن والاستقرار في سيناء خلال ثلاثة أشهر بالتعاون مع الشرطة وباستخدام «كل القوة الغاشمة».

كلام أردوغان والسيسي يلخص المشهد في سيناء من زاوية صراع الإرادات والمصالح، ووجود أطراف إقليمية ودولية في قلب المعارك الدائرة في سيناء، ما ينعكس على إطالة أمد معركة مصر ضد الإرهاب، ومحاولة استنزافها، والتشكيك في قدرة الدولة ومؤسساتها على حماية مواطنيها وفرض هيبتها في كل أرجاء سيناء. بكلمات أخرى لولا الدعم الخارجي للجماعات الإرهابية في سيناء ما تمكنت من البقاء في سيناء وتوجيه ضربات مزعجة لقوات الأمن والمدنيين منذ إطاحة حكم «الإخوان» في حزيران (يونيو) 2013، وهنا من الصعب التسليم بفكرة أن «الإخوان» و «القاعدة» و «داعش» هم فقط الذين يدعمون تلك الجماعات الإرهابية، لأن هناك دولاً وأطرافاً إقليمية مستفيدة من استنزاف الحكم الجديد في مصر والإساءة إلى حالة الأمن والاستقرار التي يسعى لتحقيقها دعماً لشرعيته، ومن أجل جذب الاستثمار الأجنبي واستعادة عافية السياحة. ويبدو أن الإبقاء على التوتر والقلق في سيناء، إضافة إلى مشكلات الاقتصاد المصري، قد تسمح لبعض الأطراف الإقليمية والدولية بممارسة ضغوط على القاهرة، وربما التفكير في صفقة تسوية شاملة للقضية الفلسطينية والقدس (صفقة القرن) توافق فيها مصر على فكرة مبادلة مساحة من الأراضي في شمال سيناء على الحدود مع غزة بمساحة من صحراء النقب على الحدود مع إسرائيل.

في هذا السياق، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بصراحة هو: ما هي مصادر الموارد والإمكانات البشرية والمادية التي حصلت عليها الجماعات الإرهابية في سيناء خلال أربع سنوات ونصف تقريباً (من 2013 وحتى اللحظة الراهنة) وهي فترة طويلة كان الجيش المصري وقوات الأمن توجه خلالها ضربات عنيفة لتلك الجماعات، وتحاصرها تقريباً في شريط جبلي ضيق في شمال ووسط سيناء، علاوة على مراقبة شواطئ البحر المتوسط وعمليات التسلل من قطاع غزة وتدمير الأنفاق التي كانت تربط مناطق عدة على الحدود المصرية الفلسطينية.

ثمة أربع إجابات رائجة في الخطاب العام داخل مصر هي:

– الإجابة الأولى تؤكد أن إسرائيل هي الممول والداعم للجماعات الإرهابية في سيناء وذلك رغم كل ما ينشر أو يتردد بشأن التنسيق المصري- الإسرائيلي في سيناء لمحاربة الإرهاب، والدليل على ذلك أن الجماعات الإرهابية لم تهاجم مواقع أو منشآت إسرائيلية على الحدود مع مصر.

– الإجابة الثانية تشير بأصابع الاتهام إلى «حماس» والأنفاق وإمكان تسلل أسلحة وعناصر إرهابية من القطاع إلى سيناء وبالعكس، والمفارقة أن تحسن العلاقات بين القاهرة و «حماس» أخيراً لم يقض على مثل هذه الاتهامات التقليدية والتي تنتشر في وسائل إعلام مصرية وتتداول كحقيقة ثابتة لا تقبل الجدل والنقاش، وذلك على رغم عدم منطقيتها على الأقل في الشهور الأخيرة.

– الإجابة الثالثة وهي الأقل انتشاراً، وتفترض أن جزءاً مهماً من دعم الجماعات الإرهابية في سيناء يأتي من داخل مصر، ومن خلال بعض عناصر «الإخوان» والخلايا الإرهابية النائمة والمتأثرة بأفكار «داعش» و «القاعدة»، ويعمل هؤلاء على تجنيد عناصر بشرية جديدة وإرسالها إلى سيناء أو إضافة إلى تأمين تمويل وأدوات اتصال وأسلحة –أغلبها مهرب من ليبيا– تباع في السوق السوداء. لكن هذه الإجابة تبدو غير مقنعة في ضوء ملاحقة الأجهزة الأمنية لـ «الإخوان» والجماعات المتأثرة بالأفكار الإرهابية، علاوة على إجراءات التفتيش والرقابة على انتقال الأفراد والبضائع من الدلتا إلى سيناء وبالعكس.

الإجابة الرابعة ترى أن هناك بيئة حاضنة للجماعات الإرهابية في سيناء نتجت عن سنوات طويلة من إهمال وتهميش سيناء وعدم تنميتها، وتحديداً شمال ووسط سيناء، وجاءت خطة الدولة لهدم أنفاق التهريب بين مصر وقطاع غزة وزراعة المخدرات لتقضي على مصالح فئات كثيرة مستفيدة على الجانبين، لذلك انضم بعضهم لأسباب اقتصادية وربما فكرية وسياسية إلى الجماعات الإرهابية. ومن الصعب تعميم هذه الإجابة كما تحتاج إلى مراجعة في ضوء أن أهالي سيناء كانوا ضحايا الإرهاب خلال السنوات الأربع الماضية، حيث قتلت الجماعات الإرهابية منهم قرابة ألف شخص، ودفعت آخرين إلى الهجرة والإقامة في مدن القناة والدلتا بسبب اتهامهم بالتعاون مع قوات الأمن والجيش، وكانت المذبحة الأخيرة في مسجد الروضة من أكبر جرائم الإرهاب ضد أهالي سيناء حيث استشهد داخل المسجد 309 أشخاص من بينهم 27 طفلاً.

وبغض النظر عن صحة الإجابات السابقة وقدرتها منفردة أو مجتمعة على تفسير ما يجري في سيناء، فإنه يمكن القول إن حضور الجماعات الإرهابية المراوغ في بعض مناطق سيناء اعتمد على سلاح القتل والتخويف بشكل رئيسي، وربما دفع ذلك بعض الأسر أو القرى الصغيرة إلى الوقوف على الحياد بين الجيش والأمن والجماعات الإرهابية. كذلك فإن بعض شباب سيناء تورطوا في الانضمام إلى تلك الجماعات مما أتاح لهم قليلاً من الدعم، لكن كل ذلك لا يعني وجود بيئات حاضنة أو مؤيدة للإرهاب في سيناء، لا سيما أن كل المؤشرات تؤكد أن معظم سكان سيناء يقفون ضد الإرهابيين، كما أعلنوا بعد مذبحة مسجد الروضة عزمهم بشكل واضح على التخلص من الإرهابيين.

في هذا الإطار جاء إعلان الرئيس السيسي عن ضرورة التخلص من الإرهابيين في ثلاثة شهور، وهي مهمة صعبة ومعقدة لكنها ممكنة في ضوء الربط بين استخدام الدولة القوة الغاشمة وإطلاق مشاريع تنموية حقيقية، ذات عائد سريع يعود بالنفع على أهالي سيناء. القصد أن تطوير الإجراءات الأمنية، والتنمية الشاملة اقتصادياً وتعليمياً وثقافياً، وإشراك أهالي سيناء، هي شروط ثلاثة ضرورية للنجاح في القضاء على الإرهاب في سيناء، تستلزم ما يلي:

1 – مراجعة الإجراءات الأمنية وتبني استراتيجية أمنية جديدة تراعي الدقة في استهداف الإرهابيين عند استخدام القوة الغاشمة، وتجنب إصابة المواطنين الأبرياء أو المساس بمزارعهم وموارد رزقهم. كذلك لا بد للاستراتيجية الأمنية أن تشرك أهالي وقبائل سيناء، بحيث يصبحون طرفاً في المعادلة وليسوا متفرجين، ولا يعني ذلك تسليحهم، أو الزج بهم في معارك ربما يكونون غير مؤهلين لها، لأن للمشاركة مستويات مختلفة من بينها تقديم الدعم والمعلومات والمساهمة في حملات التوعية الدينية والسياسية التي يجب أن تنشط بالتوازي مع العمليات الأمنية.

2 – تبني استراتيجية تنموية شاملة تتسم بالتكامل الجهوي والتنوع الاقتصادي والأهم تلتزم بجدية التخطيط والتنفيذ وإشراك أهل سيناء في جهود وثمار التنمية، وكانت الدولة المصرية أعلنت عن خطط تنموية طموحة منذ تحرير سيناء لكنها لم تر النور وتعثرت لأسباب مختلفة كما جرى التركيز على تنمية جنوب سيناء على حساب مناطق الوسط والشمال، ففي عام 1994 أقرت الحكومة المشروع القوميّ لتنمية سيناء بتكلفة بلغت 110.6 بليون جنيه، من بينها 64 بليوناً لشمال سيناء، و46.6 أخرى للجنوب، لكن لم ينفذ من هذا المشروع سوى 20 في المئة على الأكثر! وفي عام 2012 قررت الحكومة تشكيل الجهاز الوطني لتنمية شبه جزيرة سيناء، وخصّصت له ميزانيّة تقدر بـ3.4 بليون جنيه سنويّاً، ليحل محل المشروع القومي لتنمية سيناء، لكن ما تم تنفيذه من مشاريع كان محدوداً للغاية، ما دفع الرئيس السيسي للإعلان عام 2015 عن تخصيص 10 بلايين جنيه لتطوير سيناء، وهو ما يجري تنفيذه حالياً. ويمكن القول إنه لا توجد تقديرات دقيقة لحجم ما أنفق على تنمية سيناء، لأن بعض التقديرات تجمع بين ما أنفق في سيناء وما أنفق على تطوير محور القناة، أو بناء وتطوير المنتجعات السياحية في شرم الشيخ. ويقدر جهاز تعمير سيناء التابع لوزارة الإسكان أنه أنفق 8.2 بليون جنيه منذ عام 1975 وحتى حزيران (يونيو) 2013، وهو رقم ضئيل للغاية مقارنة بما جرى التخطيط والإعلان عنه.

3 – إن تعثر بعض المشاريع الكبرى وعدم استمرارية جهود التنمية الحكومية في سيناء لا ينفي حقيقة وجود بنية أساسية معقولة من شأنها أن تشجع القطاع الخاص المصري على الاستثمار في سيناء والمشاركة الفاعلة في تنميتها، وعلى الحكومة أن تتوسع في تقديم حوافز استثمارية وإعفاءات من الضرائب والرسوم لتشجيع القطاع الخاص والأجنبي على إقامة مشاريع صناعية وزراعية في سيناء، وفي هذا الصدد لا بد من الإشادة بمنحة رجل الصناعة محمد فريد خميس وقدرها 50 مليون جنيه مصري لإنشاء مجمع صناعات ضخم للحرف والصناعات البدوية في منطقة بئر العبد شمال سيناء.

4 – ضرورة إشراك الحكومات والأفراد في الدول العربية في جهود تنمية سيناء، وبما يحقق مصالح كل الأطراف ويلعب دوراً في دعم جهود مصر لتنمية وتعمير هذه المنطقة بحيث تتحول إلى مانع عمراني وبشري ضد أي هجوم إسرائيلي، وأتصور أن برنامج الملك سلمان بن عبدالعزيز لتنمية سيناء يمثل مبادرة رائدة وغير مسبوقة في هذا المجال، حيث خصص البرنامج 1.7 بليون دولار لتنمية سيناء، وأرجو أن تسير دول الخليج على خطى السعودية وتقدم مبادرات مماثلة.

نقلا عن صحيفة الحياة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى