fbpx
تقارير وملفات

“سد النهضة” نقطة انطلاق “التنين الصيني” للتخلي عن الصمت ومحاولة حل أزمات الشرق الأوسط

لم تكن كل الصراعات والأزمات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط منذ انهيار الدولة العثمانية وحتى الآن، بعيدا عن اعتبارات التنافس الإقليمي والدولي، ويبدو أن المنطقة العربية والشرق أوسطية التي ألقت بأوراق اللعبة خلال العقود الأخيرة في يد لاعب واحد وأوحد هو الولايات المتحدة، ستكون على موعد في الآونة المقبلة مع دخول قطب جديد إلى ساحة التنافس الدولي في المنطقة وعليها.. هذا القطب القادم بقوة هو الصين.

على مدى العقود الماضية، تحول الشرق الأوسط إلى ما يشبه رقعة الشطرنج، تتنافس فيه وعليه القوى الإقليمية والدولية، وتسعى إلى تحقيق مصالحها، سواء بالتدخل الناعم، أو عبر التدخل العسكري.

ورغم أن المنطقة تشهد منذ اندلاع ما يسمى بثورات الربيع العربي دخول قوى إقليمية متعددة تحاول توسيع مساحة نفوذها، مثل تركيا وإيران، إضافة إلى قوى دولية مثل روسيا تحاول العودة مجددا إلى عالم الكبار عبر بوابة الشرق الأوسط، وتحجز لنفسها موقعا في مستقبل متعدد الأقطاب.

في المقابل فإن دخول التنين الصيني إلى ميدان الشرق الأوسط يبدو استثنائيا بكل المقاييس، ليس فقط بالنظر إلى الثقل الاقتصادي الذي باتت تتمتع به كثاني أكبر اقتصاد في العالم، بل إن هذا الدخول قد يكون بديلا أو على الأقل منافسا للنفوذ الأمريكي، وهو ما يؤشر إلى أن خريطة النفوذ في المنطقة قد تشهد تغيرات جوهرية في الفترة المقبلة.

الصين التي التزمت الصمت طويلاً إزاء التدخل في مشكلات الشرق الأوسط، دشنت نفسها مؤخرا لاعبا محتملا في أزمات المنطقة، عبر منتدى التعاون الصيني العربي في دورته الثامنة، الذي استضافته بكين قبل أيام، وشهد حضورا رسميا عربيا كثيفا يعكس رغبة عربية في توطيد العلاقات مع “التنين الصيني” بكل ما يمتلكه من مقومات لأحداث اختراق في أزمات المنطقة التي باتت أعقد من أن يتولى أمرها اللاعبون التقليديون.

أعلنت الصين ـ خلال المنتدى ـ استعدادها الدخول وسيطا في أزمة سد النهضة بين مصر وأثيوبيا، مستغلة علاقاتها الوطيدة بين القاهرة وأديس أبابا، فضلا عن إشارات صينية لافتة لإمكانية الدخول في أكثر ملفات المنطقة تعقيدا، وهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والأزمة السورية، وبالتأكيد فإن مجرد الإشارة إلى دخول لاعب جديد لتلك الملفات الشائكة يكفي لإرباك حسابات كثير من القوى الكبرى.

وتتمتع الصين بعدد من نقاط القوة التي تمنحها رصيدا كبيرا للعب دور في المنطقة، أولها أن الصين ليس لديها تاريخ استعماري يثير التحفظات على دورها المرتقب، كما أنها تتمتع بعلاقات اقتصادية مؤثرة تمكنها من التأثير على عواصم القرار، ليس في المنطقة فقط ولكن على الساحة الدولية أيضا.

هذه التحولات الصينية إزاء التعامل مع الشرق الأوسط وملفاته المعقدة، يمكن أن تكون في صالح مصر إذا ما أحسنا استغلال الفرصة، فالقاهرة في مقدمة الشركاء الإقليميين لبكين، فضلا عن أن العاصمتين تجمعهما رؤية مشتركة تتلخص في شعار “تعاون بلا تدخل”، وهو ما يمكن أن يوفر تأثيرا إضافيا للسياسة الصينية في المنطقة، إضافة إلى أن التنين الآسيوي لن تكون لديه تلك الانحيازات السافرة لإسرائيل على حساب المصالح العربية.

إنها فرصة كبيرة إذن، لكنها تحمل في طياتها أيضا تحديات جسام، فالولايات المتحدة التي ذاقت طعم الرخاء عبر استنزاف الثروات العربية، لن تفرط بسهولة في كعكة الشرق الأوسط، حتى ولو كان الضيف الجديد على المائدة هو التنين الصيني.

بواسطة
محمد عيد
زر الذهاب إلى الأعلى