fbpx
الرأي

محمد شومان يكتب : انتخابات الرئاسة في مصر … عزف منفرد؟

أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر أول من أمس، الجدول الزمني للسباق الانتخابي، حيث تقرر فتح باب الترشيح هذا الشهر، وأن تُجرى الانتخابات في 26 آذار (مارس) على مدار ثلاثة أيام، على أن تعلَن النتيجة في 2 نيسان (أبريل). قبل هذا الإعلان بيوم واحد، أعلن الفريق أحمد شفيق عدم نيته الترشح للانتخابات، بسبب غيابه- كما قال- عن مصر «لفترة زادت عن 5 سنوات، ربما أبعدني عن المتابعة الدقيقة لما يجري على أرض وطننا». أضاف: «قررت أنني لن أكون الشخص الأمثل لقيادة أمور الدولة خلال الفترة القادمة». وأكد المرشح السابق للرئاسة في انتخابات 2012 و2014 حمدين صباحي، من جانبه، عدم رغبته في الترشّح من دون تقديم أسباب أو مبررات. الرئيس السيسي أيضاً لم يعلن نيته الترشح بعد، لكن كل المؤشرات والتحركات على الأرض تؤكد أنه المرشح الأوفر حظاً لحسم الانتخابات الرئاسية التي باتت مهددة باحتمال أن تكون أقرب إلى الاستفتاء في ظل عدم وجود مرشحين قادرين على منافسة السيسي، فكل الأسماء التي أعلنت حتى الآن نيّتها خوض الانتخابات غير معروفة أو ليس لها وزن سياسي، وأعلن معظمهم رغبته في الترشح من باب البحث عن الشهرة والحصول على لقب مرشح رئاسي محتمل! لكن قد يكون من الصعب على أي منهم تحقيق شروط الترشح وأهمّها تأييد 20 نائباً على الأقل أو تأييد 25 ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب في 15 محافظة على الأقل، بحد أدنى ألف مؤيد من كل محافظة منها. وبافتراض أن مرشحاً مثل النائب السابق «محمد أنور السادات» (ابن شقيق الرئيس السادات) أو الحقوقي «خالد علي»، قد حققا شروط الترشح وخاضا الانتخابات فعلياً– سيناريو صعب الحدوث- فإن فرص أي منهما في الفوز شبه معدومة، بل أن فرصهما في تشكيل تحدٍ أو تهديد ما للسيسي محدودة للغاية. هذه الوضعية يمكن تفسيرها في ضوء سرديّتين بينهما استقطاب حاد، الأولى: أن إنجازات السيسي في أرض الواقع ومحاولاته الجادة للتصدي للإرهاب وتحقيق التنمية والنهوض بالقوات المسلحة وتطوير قدراتها، تضمن فوزاً مستحقاً للرجل في أي انتخابات رئاسية وتحت أي ظروف وبغض النظر عن مكانة المرشح أو المرشحين المنافسين له. والمفارقة أن شعبية السيسي وتأييد غالبية الشعب له استمرت على رغم معاناة قطاعات واسعة من المصريين من الفقراء وأبناء الطبقة الوسطى بسبب الإصلاحات الاقتصادية الضرورية والتي فرضتها الأوضاع الصعبة للاقتصاد المصري من جهة، وتوصيات صندوق النقد من جهة ثانية. صحيح أن شعبية السيسي تراجعت وفق استطلاعات مركز «بصيرة»، مقارنة بنسب التأييد الذي حصل عليه في بداية سنوات حكمه علاوة على فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2014 بنسبة 96 في المئة. لكن لا تزال نسب التأييد الجماهيري للسيسي مرتفعة وتضمن فوزه بسهولة في أي انتخابات رئاسية نزيهة ومن دون تدخل الأجهزة التنفيذية. وفي إطار السردية الأولى، أسّس عدد من أعضاء البرلمان حملة شعبية باسم «عشان نبنيها»، لمطالبة الرئيس السيسي بالترشح لفترة رئاسة ثانية لاستكمال مسيرة الإصلاح والمشاريع القومية وتطهير البلاد من الإرهاب، ووفق مصادر الحملة فقد أُسّس 200 مقر وانضم إليها 200 نائب في البرلمان وجُمع أكثر من 12 مليون توقيع لمواطنين يؤيدون ترشيح السيسي. أما السردية الثانية، فإنها ترى أن هناك قصوراً في اتخاذ القرار السياسي والاقتصادي، ما أدى إلى معاناة المواطنين وعدم قدرة الاقتصاد المصري على التعافي من مشكلاته، حيث وصلت ديون مصر الداخلية والخارجية إلى 3.6 تريليون جنيه، منها 79 بليون دولار ديوناً خارجية، كما تواجه مصر مشكلات كبيرة في التعامل مع ملف مياه النيل ومواجهة الإرهاب في سيناء، إضافة إلى عملية التحول الديموقراطي واحترام حقوق الإنسان، حيث جرى تضييق المجال العام وتغليب الاعتبارات الأمنية على الحلول السياسية، وتهميش الأحزاب، من هنا تراجعت أعداد الأحزاب من 115 حزباً إلى 47 حزباً، ويعاني معظمها من ضعف الموارد البشرية والمادية وعدم القدرة على العمل السياسي المنتظم بين الناس، بخاصة في الريف. ويلقي أنصار السردية الثانية مسؤولية ضعف الأحزاب وتراجع دورها على الحكومة التي لم تهتم بالسياسة وتخشى تعدّد الأصوات وتنوّعها، ظناً منها أن ذلك يضعف قدرة الدولة على مواجهة الإرهاب. في هذا السياق، يقول أنصار هذه السردية أن الحكومة خلقت إعلام الصوت الواحد، حيث شجعت على صفقات استحواذ لقنوات تلفزيونية قامت بها شركات قريبة من الحكومة والأجهزة السيادية. وبالتالي، فإن هناك حالة من الإحجام عن الترشح في الانتخابات الرئاسية، نظراً لعدم وجود ضمانات حقيقية لمعركة انتخابية نزيهة. فالإعلام منحاز وجاهز لتشويه أي شخصية سياسية ذات وزن في حال أعلنت رغبتها في الترشح للانتخابات. وبغض النظر عن صحة هذه الاتهامات، فإنني أرى أن المخاوف المنتشرة بين أفراد النخبة السياسية من خوض انتخابات الرئاسة ليس لها ما يبررها سوى ضعف الحياة السياسية وهشاشتها في مصر، وافتقار رموزها إلى القدرة على التضحية وتغليب الاعتبارات العامة على المصالح الشخصية. وأتصور حالياً صعوبة تحقيق توافق بين السرديتين، على رغم عداء أصحابهما المشترك للإخوان ورفضهما الإرهاب، ودعمهم السيسي في الانتخابات الرئاسية السابقة. لكن السياسة واختلاف الأساليب باعدت بينهما، وقد يرى البعض أن استمرار هذا الاختلاف يصب في مصلحة الإخوان والجماعات الإرهابية، لأنه يضعف أولاً جبهة القوى المدنية الداعمة خارطة الطريق في 30 حزيران (يونيو)، والتي أيّدت انتخاب السيسي عام 2014، كما قد يسمح ثانياً بتعاون سياسي بين أصحاب السردية الثانية والإخوان. وأتصور أن هذه المخاوف لا أساس لها من الصحة، نظراً لوجود تناقضات رئيسة بين الإخوان ومعارضي الرئيس السيسي من أصحاب السردية الثانية، حيث يرفضون فكرة الدولة الدينية وتوظيف الإسلام في السياسية، فضلاً عن رفضهم المبدئي جماعات العنف والإرهاب. لذلك يمكن القول بوجود سردية ثالثة يروّج لها الإخوان والجماعات الإسلاموية المتطرفة تقوم على رفض ومقاومة شرعية الرئيس السيسي وما جرى في مصر منذ إطاحة الرئيس السابق محمد مرسي والإخوان. ما يعني أنها ترفض النظام وتريد الانقلاب عليه، وهو موقف يتناقض تماماً مع النقاش الدائر حول تأييد ترشح السيسي لفترة ثانية أو معارضته. ولا شك في أن الحوار ومحاولات النقد والتصحيح هي أدوات المعارضين لترشيح السيسي، بينما الإخوان والجماعات الإرهابية يعتمدون لغة التخوين والتكفير ويستخدمون العنف والإرهاب. أتصور أن الإخوان والجماعات الإرهابية لن يشاركوا في الانتخابات الرئاسية، ولن يمثلوا تهديداً سياسياً لها، وإنما قد يشكلون تهديداً أمنياً، وهو التحدي الأول في الانتخابات الرئاسية القادمة، إذ يمكن أن تشكل آلاف اللجان الانتخابية أهدافاً سهلة للإرهاب، ما يتطلب جهوداً أمنية مكثفة من الشرطة والجيش، إضافة إلى وعي المواطنين ومشاركتهم. أما التحدي الثاني فهو أن الانتخابات تُجرى من دون إشراف قضائي كامل حيث ستتولى الهيئة الوطنية للانتخابات للمرة الأولى تنظيم الانتخابات والإشراف عليها، ما يؤكد أهمية ضمان نزاهة الانتخابات وحياد الأجهزة التنفيذية. وثمة تحد ثالث يتعلق بأهمية وجود مرشح قوي أو أكثر يحظي بمصداقية ولديه قدرة على المنافسة، كي يعطي الانتخابات معنى ومشروعية وجاذبية، لذلك أعتقد أن الانتخابات الرئاسية خسرت الكثير بانسحاب أحمد شفيق وصباحي واختفاء عمرو موسى. أما التحدي الأخير في الانتخابات القادمة فهو كيفية ضمان مستويات مرتفعة من مشاركة الناخبين في التصويت في انتخابات تبدو نتائجها محسومة من الآن لصالح الرئيس السيسي. وتجدر الإشارة هنا إلى ظاهرة تراجع اهتمام المصريين بالسياسة والاشتراك في التصويت، فقد تراجعت نسب المشاركين بالتصويت في الانتخابات الرئاسية عام 2014 والتي جرت بين السيسي ومنافسه الوحيد حمدين صباحي، تحت دعوى أن النتيجة معروفة وستكون في مصلحة السيسي، من هنا وصلت نسبة المشاركة إلى 47 في المئة فقط من إجمالي الناخبين، بينما كانت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية عام 2012 حوالى 52 في المئة. ثم تراجعت نسبة المشاركين في الاستفتاء على الدستور إلى 38.6 في المئة فقط. والخوف أن تتراجع نسبة الإقبال على المشاركة في الانتخابات الرئاسية الثانية، نظراً لافتقارها للتشويق أو المنافسة القوية. وبغض النظر عن أسباب ذلك، والنتيجة المتوقعة، فمن المرجح أن السيسي سيكون الفائز الأكبر، أما التنافس الانتخابي وقيم وآليات العملية الديموقراطية، فيبدو أنها مؤجلة لحين حسم معركة مصر ضد الإرهاب. نقلا عن صحيفة الحياة

زر الذهاب إلى الأعلى